مكتبة متنقلة لتعزيز ثقافة المطالعة لدى الأطفال السوريين
يجلس الطفل تيم على شرفة منزله بانتظار وصول سيارة المكتبة المتنقلة، التي ستزور قريته حسب جدول رحلاتها. وما أشدّ سعادته حين يختار من بين كتبها المرصوفة بعناية فوق الرفوف قصة شائقة ليقرأها على مسامع أبويه وإخوته الصغار.
انطلق مشروع المكتبة المتنقلة من بلدة حزانو في ريف إدلب برعاية منظمة داري للتنمية المستدامة. ويهدف المشروع إلى إيجاد علاقة بين الأطفال والكتاب. وهو ما من شأنه تعزيز ثقافة المطالعة التي تشرع لهم الباب واسعاً لتحصيل المعارف واكتساب الخبرات واكتشاف العوالم الجديدة .
مدير مشروع المكتبة المتنقلة مالك الرفاعي (35 عاماً) يقول: “نظراً لانقطاع عدد كبير من الأطفال في إدلب عن مقاعد الدراسة، وغياب المراكز الثقافية والمكتبات العامة، أطلقنا مشروع المكتبة المتنقلة المحملة بكتب الأطفال وقصصهم. ويهدف المشروع إلى غرس عادة القراءة في نفوس الأطفال والناشئة، وتذليل العقبات المسببة لانقطاعهم عن القراءة”.
وفي حديثه لـ”حكايات سوريا” يلفت الرفاعي إلى أن المكتبة تحتوي على نحو2500 كتاب. تتنوع بين القصص المصورة والحكايات الخيالية، والحكم الهادفة لغرس المبادئ والقيم والأخلاق في نفوس الأطفال. إضافة للكتب العلمية والأدبية والمجلات والكتب التعليمية.
ويتابع الرفاعي: “بدأ المشروع مطلع عام2017 من خلال تكليف لجنة خاصة بانتقاء الكتب بعناية لشرائها من المكتبات ودور النشر، لتناسب جميع الرغبات للفئات المستهدفة التي تتراوح أعمارها بين 8 و 18 عاماً. إضافة إلى تجهيز الحافلة بالرفوف وإضفاء ألوان مبهرة وزاهية عليها لتكون بيئة جاذبة للأطفال ومشجعة لهم على ارتيادها والإفادة منها”.
وعن آلية عمل المكتبة المتنقلة يضيف الرفاعي: “نقوم بزيارات ميدانية إلى مناطق مختلفة من إدلب، حيث تتضمن كل زيارة فقرة لقراءة الكتب والقصص المتنوعة، بالإضافة إلى عدد من النشاطات التثقيفية والترفيهية لإبعاد الطفل عن الملل”.
ويتابع الرفاعي قائلاً: “يقوم الفريق بقص الحكايات على الأطفال الذين لا يعرفون القراءة، ثم يقوم كل طفل بانتقاء الكتاب المحبب إليه بحرية، على أن يعيده في نهاية الزيارة التي تكون خلال فترة زمنية تتراوح بين 3 وحتى 6 ساعات، وتعود الحافلة عند المساء إلى بلدة حزانو حيث مركز المكتبة لإعادة ترتيب الكتب وإضافة الكتب الجديدة استعداداً للانطلاق في رحلة جديدة”.
أحمد المعضماتي (41 عاماً) يعمل كأمين للمكتبة يقول: “نقوم بالإعلان عن خط سير السيارة ومواعيد وصولها ومحطات وقوفها مسبقاً إن كان مركزاً أو مدرسة، لإعلام الأطفال والتنسيق على الموعد المتفق عليه”.
كما يشير المعضماتي إلى الصعوبات التي تواجه العمل قائلاً: “نعاني من وجود الكثير من الأطفال الذين لايستطيعون القراءة والكتابة، كما أن قلة الاهتمام بهذا المجال في المناطق المحررة يجعل مسؤولياتنا كبيرة دون أن نتمكن من تغطية كافة المناطق”.
المرشدة النفسية نور العبدي (38 عاماً) من مدينة إدلب توضح أهمية القراءة بالنسبة للطفل قائلة: “تساعد المكتبة المتنقلة الأطفال على إقامة علاقة طيبة مع الكتاب، لأن القراءة تعد باباً يفتح للطفل عوالم واسعة وتوجهه إلى الأخلاق والمكارم، كما تساعده على التفكير وتنمي خياله من خلال تخيل القصص في ذهنه لجعله أكثر قدرة على الابتكار والتوصل للحلول، إضافة إلى كونها تزيد ثقافة الأطفال وتنمي مقدرتهم على التعبير”.
الطفل أحمد غنيمة (12 عاماً) من بلدة كللي بريف إدلب على موعد دائم مع المكتبة وعن هذا الموضوع يقول: “المكتبة المتنقلة ممتعة ومفيدة لأنها توسع مداركنا وتسلينا وتجعلنا نستغل أوقات فراغنا. أنا أحب الكتب التاريخية والأدبية، لذا أستعيرها من المكتبة المتنقلة لأحصل منها على أخبار ومعلومات كثيرة كنت أجهلها”.
الطفلة وعد القدور (10 أعوام) من مدينة سراقب، فقدت بصرها في الحرب الدائرة لتعيش بعد ذلك حياة حزينة يائسة. والدتها تؤكد أن الطفلة تمتلك عقلاً نيراً وقدراً كبيراً من الوعي والفهم، فهي تتمنى لو تستطيع الذهاب إلى المدرسة كباقي الأطفال، لذلك تكون في غاية السعادة حين تقرأ لها أختها قصة ذات عنوان جذاب تحصل عليها من رفوف المكتبة المتنقلة لعلها تعيد الثقة والأمل إلى قلب أختها المنكسر، وتروي ظمأ عطشها للعلم والمعرفة.
أبو خالد (44 عاماً) من بلدة حزانو ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، يتحدث لحكايات سوريا عن أهمية مشروع المكتبة المتنقلة قائلاً: “لقد أصبحت في الآونة الأخيرة علاقة الطفل مع التلفاز والأجهزة الالكترونية أقوى من علاقته مع الكتاب، مع أن القراءة هي المصدر الأول والأفضل للمعرفة، ولكي يستمر الإنسان بهذه العادة الحسنة وهو كبير لابد أن يتعود عليها منذ صغره”.
وينبه أبو خالد إلى أن “تراجع مستوى التعليم وتسرب الأطفال من مقاعد الدراسة، حرمهم من مطالعة الكتب التي تشكل غذاء مهماً لعقولهم، لذلك تساهم المكتبة المتنقلة في رفد العملية التعليمية، وغرس عادة المطالعة وحب القراءة لدى الأطفال لتنمية علاقتهم مع خير جليس.”