مزارعو موحسن في ريف دير الزور ضحية الحرب
غيث الأحمد
في بداية شهر حزيران/ يونيو من كل عام يبدأ الفلاحون في مدينة موحسن بريف دير الزور موسم حصادهم بعدما حرثوا أرضهم وزرعوها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الذي سبقه. تقع موحسن على مسافة 20 كيلومتراً شرق دير الزور، ويعتمد معظم سكانها الذي يبلغ عددهم 25,000 نسمة تقريباً على الزراعة وتربية الماشية.
ولكن الوضع لم يعد على حاله. المهندس الزراعي المختص باستصلاح الأراضي سائد الأحمد يشير إلى أن المزارعين في موحسن يتكبدون خسائر كبيرة مقارنة بالأعوام التي سبقت اندلاع الاحتجاجات في سوريا العام 2011، ويحذر المهندس الزراعي من تداعيات الأزمة ويشير إلى زيادة عدد المزارعين الذين يهجرون أراضيهم إلى مناطق أكثر أمناً داخل البلاد أو خارجها.
فقد غطت القذائف والصواريخ مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، خارج المدينة التي ما تزال ساحة قتال منذ بداية هذا العام، بسبب قربها من مطار دير الزور العسكري. فالمدينة بمثابة البوابة لهذا المطار الذي يمتد على مساحات شاسعة، وهي الأقرب للمدرجات التي تنطلق منها الطائرات الحربية.
يسيطر على موحسن المجلس العسكري الثوري الذي يضم عدة كتائب وألوية وهي: لواء أحفاد محمد ولواء الصاعقة والفرقة الرابعة دبابات ولواء 42 مشاة ولواء النصر ولواء الفتح. وتتحصن كتائب المعارضة المسلحة عند أسوار المطار الذي يبعد عن المدينة بضعة كيلومترات وتشتبك مع القوات النظامية التي تقصف القرى والبلدات المجاورة .
ويقول مؤيد السيد أحد أبناء مدينة موحسن (32 عاماً) والذي يملك أرضاً زراعية مساحتها 30 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع): “زرعت هذا العام الخضار فقط على مساحة لا تتجاوز الـ 100 متر مربع بعد أن منعتني القذائف والصواريخ التي نالت معظم أرضي من زراعتها، والخضار هي للاستعمال المنزلي فقط وليست للبيع”.
وكان السيد يزرع كامل أرضه بالقمح والقطن والشمندر والخضار، ويستطيع العيش من هذه المحاصيل التي تعتبر مصدر رزقه، كما يقول. وبحسب المؤيد في شهر حزيران/ يونيو يبدأ موسم زراعة القطن، ولكنه يخشى حرث أرضه بسبب القذائف التي ما تزال مغروسة في الأرض ولم تنفجر بعد: “حرثها يعرضني للخطر”.
ويشير أبو يزن أحد أفراد لواء الصاعقة التابع للمجلس العسكري الثوري في موحسن أن المطار هو مصدر التهديد الذي يواجه المزارعين، ويقول: “يسقط كل شهر شهيدان أو ثلاثة خلال عملهم بأرضهم من خلال القصف الذي يقوم به عناصر الجيش النظامي المتمركزين في المطار”. المجلس المحلي يؤكد على لسان مدير مكتب الزراعة المهندس الزراعي خالد البسيس على ضرورة “تحرير المطار” الذي يشكل حسب قوله الخطر الأكبر على الزراعة.
لكن تراجع استغلال الأراضي الزراعية في موحسن لا يعود فقط إلى خطر انتشار القذائف غير المنفجرة في الحقول والبساتين وخطر القصف. أبو محمد الذي يملك أرضاً مساحتها 22 دونماً بعيدة عن مواقع القصف، لم يزرع إلّا أربعين بالمئة منها هذا الموسم. ويركز أبو محمد في زراعته على القطن والقمح بشكل أساسي ثم على الخضار. ويعتبر أبو محمد أن الشح في الأسمدة وارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الديزل الذي يوفر وصول الماء للأراضي الزراعية عبر المضخات، تمنعه من استغلال كامل أرضه. كان سعر كيس السماد مثلاً يبلغ سابقاً ألف ليرة سورية أما الآن فيصل إلى أربعة آلاف ليرة. وارتفع سعر الوقود بنسبة ثلاثة أضعاف سعره في السنة الماضية.
ويشير تقرير أصدرته “منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة” (فاو) في نهاية كانون الثاني/ يناير 2013 إلى أن إنتاج القمح في سوريا انخفض بنسبة 50 بالمئة تقريباً مقارنة بالأعوام السابقة. وهناك انخفاض مماثل في إنتاج الزيتون والخضار في مناطق مختلفة من سوريا. كما يشير التقرير أيضاً إلى أن غالبية المزارعين السوريين يواجهون صعوبات في جمع محاصيلهم. 14 بالمئة من الفلاحين الذين تحدثت معهم لجنة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة التي زارت مناطق مختلفة في سوريا من أجل إعداد التقرير قالوا إن أسباباً أمنية ونقصاً في الوقود يحول دون حصاد أرضهم الزراعية.
وبحسب “منظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة” (فاو)، فإن 10 ملايين سوري يقيمون في المناطق الريفية، أي نحو 46 بالمائة من مجموع السكان السوريين، يعتمد 80 في المئة منهم في معيشتهم على الزراعة.
ويُعتبر المكتب الزراعي في المجلس المحلي لمدينة موحسن المسؤول عن تأمين المازوت للمحركات الزراعية، وتأمين البذار للفلاح بأسعار مناسبة وحل المشاكل بين الفلاحين في حال حدوثها، كتنظيم الدور في ري الأراضي والمزروعات. كما يعمل على مساعدة الفلاحين بشتى الطرق لزراعة مساحات كبيرة من الأراضي بالقمح، لضمان توفير مخزون من القمح للمدنيين. مدير المكتب المهندس الزراعي خالد البسيس يقول إن إمكانيات دائرته بسيطة ولكنه يحاول حالياً تأمين مازوت مصفى محلياً بطرق بدائية، وهو متوفر حالياً في منطقة دير الزور. لكن مزارعي موحسن لم يؤكدوا تسلم هذا النوع من الوقود من قبل المكتب.
وتجدر الإشارة إلى أن سعر ليتر المازوت يصل الآن إلى 150 ليرة سورية، بينما كان سعر الليتر المدعوم من الدولة السورية يبلغ قبل سنتين 25 ليرة.
ما زال لدى مؤيد السيد بعض المدخرات والمؤونة من العام الماضي ويأمل أن تتحسن الأوضاع الأمنية في الخريف لكي يستطيع الشروع في إزالة بقايا القذائف من أرضه. أبو محمد هو الآخر زرع أرضاً قريبة من منزله بالخضار لكي يوفر احتياجات أسرته الكبيرة اليومية من البندورة والخيار.