قصة نجاح من أحد مراكز النزوح: مدرسة ليلية في المدينة الرياضية في اللاذقية

راحيل ابراهيم

يكافح النازحون في المدينة الرياضية في اللاذقية من أجل كسب قوتهم، فمحمد كتب على خيمته “حلاق”، بينما كتب أحمد على الخيمة المجاورة عبارة يشير فيها إلى توفر بطاقات لإعادة تعبئة الخطوط الهاتفية، في حين فضل آخرون البحث عن عمل خارج أسوار المدينة الرياضية وحتى في ريف اللاذقية. هؤلاء هم بعض من النازحين الحلبيّين في المدينة الرياضية — تجاوز عدد النازحين الإجمالي في هذا المركز 2500 شخصاً — الذين يحاولون تأمين الظروف المؤاتية لحياة أولادهم.

ويساعدهم في هذه المهمة فريق من المتطوّعين يعمل على تأمين التعليم لنحو ألف تلميذ، في مدرسة تأسست في المدينة الرياضية نفسها. يشترك في المشروع متطوّعون من عدة جمعيات محلية بلغ عددهم  الإجمالي أكثر من ستين، كما ساهمت منظمة “الهلال الأحمر” من خلال تقديم مساعدات عينية.

 أحد صفوف الروضات في المدرسة – فيس بوك
أحد صفوف الروضات في المدرسة – فيس بوك

كان اللقاء الأول بين المتطوّعين والأطفال في العراء؛ لم يتبنَ أحد مشروعهم فافترشوا الأرض قبل أن تحتضنهم أخيراً قاعة مغلقة قدمتها إدارة المدينة الرياضية. فتشكلت المدرسة الليلية التي انطلقت بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر 2012. وتقدم المدرسة حالياً التعليم للطلاب في الروضات والمرحلتين الإبتدائية والإعدادية، بالإضافة إلى دورات في تعليم اللغة الفرنسية والرسم، وتنظيم صفوف لتعليم الكبار.

“لم أكن أعرف كتابة حرف واحد،” تقول أمينة السيدة الأربعينية، وتبتسم قبل أن تضيف: “أنا اليوم الطالبة الأكثر تمكناً وتفوقاً.”

تقول مريم (إسم مستعار)، وهي إحدى المشرفات على المشروع، إن فكرة إقامة هذه المدرسة بدأت بعد نجاح عدة أنشطة تعليميّة موجهة إلى الأطفال.

“مع توافد الأسر النازحة على مدينة اللاذقية أقامت مكتبة الأطفال العمومية بالتعاون مع “شبكة أخبار اللاذقية” (وهي شبكة إعلامية محلية تنشط على فيس بوك وتضم إذاعة على الإنترنت)، ولأكثر من مرة، مجموعة من الأنشطة الميدانية للأطفال منها مكتبة متنقلة بالإضافة إلى… حلقات القراءة وعرض الأفلام الموجهة للأطفال،” تقول مريم.

وتشرح سارة (إسم مستعار)، وهي سيدة أخرى من الفريق المشرف على العمل، أن وجود هذه المدرسة داخل المدينة الرياضية جاء استجابة لمخاوف الأهالي.

“التهجير القسري… والخوف من الموت انعكس سلباّ على الوضع النفسي لأهالي الأطفال، الأمر الذي جعلهم يرفضون إرسال أولادهم خارج حرم المدينة الرياضية لمتابعة التعليم،” تقول سارة.

بالإضافة إلى الوضع النفسي السيئ الذي يعاني منه النازحون، فإن هناك بعض الحواجز بين الأهالي الذين قد لا يؤيدون النظام السوري، والمتطوّعين من اللاذقية، المدينة التي يُنظر إليها كمعقل للنظام.

“كثيراً ما نسمع إشاعات عن أن معظمهم يتظاهرون بالإيجابية معنا لكننا مع هذا نتعاطى معهم دون أن نوجه إليهم أي سؤال إلا فيما يتعلق بدوام المدرسة ونظامها،” يقول سمير (إسم مستعار)، وهو أحد المدرّسين المتطوّعين.

إلا أن التواصل بين الطلاب والمدرّسين كان أسهل نوعاً ما، وقد استفاد الطلاب المراهقون من النقاش مع المدرسين والمدرسات في الحصول على إرشاد نفسي فيما يتعلق بمواضيع حساسة، في جو من المسؤولية.

“نشأ بيننا وبين المدرّسين نوع من الصداقة… وأول المواضيع التي ناقشناها وقد دخلنا مدرسة مختلطة لأول مرة هو العلاقة بين الشاب والفتاة،” تقول أميرة وهي طالبة في المرحلة الإعدادية.

يتحدث سمير أيضاً عن العلاقة الخاصة التي تجمع المتطوّعين بالأطفال الأصغر سناً، الذين وصفهم بـ”مبعث الفرح” في المدرسة.

“عند وصولنا إلى المدرسة كل يوم نجد الأطفال بانتظار الباص الذي يقلّنا، وما إن نترجل حتى يبدؤوا الهتاف بأسمائنا،” يضيف سمير.

بعد فترة من بدء التدريس، بات الكادر الإداري والمتطوّعون يواجهون سؤالاً ملحاً من قبل الأهالي، عما إذا كان التعليم الذي يتلقاه أبناؤهم وبناتهم معترف به رسمياً.

تتحدث سارة عن عدة صعوبات واجهتها المدرسة قبل الحصول على اعتراف رسمي من وزارة التربية.

“قبل إطلاق المدرسة زار وفد من مديرية التربية مكان المشروع بناء على طلبنا وإلحاحنا، ووعدنا بالتعاون،” تقول سارة، مضيفة أن هذه الوعود لم تترجم على أرض الواقع بسهولة.

في نهاية المطاف تكلل عمل المتطوعين أخيراً باعتراف وزارة التربية، بعد أن حظي المشروع بتغطية إعلامية واسعة على المستوى المحلي. أرسلت الوزارة ممثلين عنها قاموا بتسجيل أسماء الطلاب وبياناتهم الشخصية، وأصبح بذلك التدريس التي يتلقاه الطلاب معترفاً به رسمياً.

وتعزو سارة هذه الخطوة الإيجابية إلى “إصرار الكادر الإداري على الاستمرار، رغم الصعوبات، وثقة الأهالي التي بدأت تتكوّن عقب فترة من بدء التعليم.”