فطائر تنور أم حسن على قارعة الطريق في دركوش
أم حسن تتوسط زوجها وابنها حيث تعمل على فطائرها في دركوش تصوير أسعد الأسعد
يمكن كل يوم في الصباح الباكر رصد أم حسن وزوجها وابنهما، ينتقلون إلى ذاك الدكان القديم على طريق مدينة دركوش. هناك حيث يتم تقديم وجبة الفطور الأكثر شعبية في المدينة وهي فطائر التنور اللذيذة، والتي يطلبها سكان المدينة باستمرار.
أم حسن (48 عاماُ)، وأبو حسن الذي يكبرها ببضع سنوات من مدينة دركوش في الريف الغربي لمدينة ادلب. لديهما ثلاثة شبان وبنت وحيدة. لم يبق معهما إلّا ماهر. سافر البقية خارج البلاد، وعلى من بقي أن يعمل لتحصيل قوته، وتعمل أم حسن برفقة زوجها وابنهما الشاب. لكلّ واحد منهم وظيفته.
وعن كيفية سير العمل في دكانها ومساعدة عائلتها لها تقول أم حسن: “أستيقظ بعد أذان الفجر مباشرة، أقوم بتأدية الصلاة ونتجه أنا وابني وزوجي أبو حسن إلى دكاننا لنقوم بالتجهيز لصناعة الفطائر”.
ورداً على سؤال حول تقاسم المهام تجيب أم حسن: “لكل منّا مهمته، زوجي يجلب الحطب ويشعل التنور، ابني يقوم بتحضير حشوة الفطائر، وبذات الوقت أكون قد أعددت العجين، فنّنتظر قرابة الساعة ريثما يختمر العجين، ويصبح التنور جاهزاً، ومن ثم يبدأ عملنا بصناعة الفطائر، وتبدأ الناس بالتوافد على الدكان”.
تعمل أم حسن على صناعة الفطائر بكافة أنواعها وأشكالها، وهي تستخدم التنور الذي يعد من تراث أهالي محافظة ادلب بالعموم، فهو يعطي الفطائر طعماً لذيذاً، لا يوجد في الفطائر العادية.
نزحت أم حسن وعائلتها من مدينة دركوش في منتصف العام 2016 بعد أن تم استهداف مدينتهم، بغارات من الطيران الحربي، وقد كان لدكان أم حسن نصيب من تلك الغارات فدمر الدكان بشكل كامل، مما اضطر أم حسن وعائلتها لعبور الحدود إلى تركيا.
وتروي أم حسن تفاصيل ما جرى معهم: “تعرض دكاننا للقصف من قبل الطيران الحربي، فدُمر بشكل كامل، ومع استمرار القصف على مدينتنا في ذاك الوقت اضطررنا أنا وعائلتي للدخول إلى تركيا، أقمنا في مدينة الريحانية، وبدأنا بالعمل هناك”.
وتتابع أم حسن: “عملنا بالزراعة بمختلف أنواع المزروعات، إضافة الى أن زوجي أبو حسن كان يعمل بتقليم و تنظيف الأشجار، ولكن العمل كان شاقاً وصعباً جداً، ونحن لسنا معتادين عليه، ولكننا كنا مضطرين للعمل لأن الحياة المعيشية في تركيا صعبة جداً”.
وتضيف أم حسن: “بعد أن أمضينا نحو سنتين في الأراضي التركية، قررنا العودة إلى مدينتنا وإعادة بناء دكاننا الذي هدمه الطيران. وهكذا كان، عدنا وقمنا ببناء دكاننا المتواضع من جديد، وعاودنا صناعة الفطائر الصباحية”.
وعن الصعوبات التي تواجه أم حسن في العمل تقول: “هناك صعوبات عدة تواجهني في عملي من أهمها، تأمين الحطب مع ارتفاع أسعاره، فيضطر زوجي للخروج الى بساتين المدينة لجلب بعض الحطب المتساقط، إضافة الى الصعوبة الكبرى بتحضير الفليفلة الحمراء الحارة في الصيف، فهي تحتاج الى جهد كبير لتنظيفها وتنشيفها وصناعتها لتلائم الفطائر”.
حب كبير وعميق يجمع أبو حسن بزوجته التي يعمل معها في نفس الدكان، ويساعدها ويساندها في عملها ويعتبرها المرأة المثالية.
ويقول أبو حسن: “المرأة التي تراعي بيتها وزوجها وأولادها تسستحق احترام الناس جميعاً وليس عائلتها فقط، وأنا منَّ علي الله بأم حسن التي استطاعت أن تؤسّس عائلتها وبيتها من عملها وعرق جبينها، أنا أحترمها وأحبها كثيراً، وأتمنى أن تكون قدوة لكل النساء من هذا الجيل”.
ماهر الابن الوحيد الذي بقي مع والديه يبدو فرحاً بالود الذي يسود علاقات أفراد العائلة ويقول: “لم أعهد أمي وأبي طوال عمري سوى على هذا الحال، يتشاركان الهموم والأحزان قبل الأفراح. أمي تقوم بالعمل من أجلنا ومن أجل مستقبلنا واستقرارنا، ولا بد لنا أن نقوم بمساعدتها، فأنا أعمل معها في الدكان، وأساعدها قدر ما استطيع”.
نسبة كبيرة من أهالي مدينة دركوش يترددون على دكان أم حسن لتناول الفطائر في وجبة الفطور. هذا غير المارّة الذين يعبرون الطريق أمام دكانها. كما أن سعر الفطائر مناسب للجميع، فالفطيرة الواحدة تبيعها أم حسن بـ 150 ليرة سورية فقط.
محمد الخالد أحد أهالي مدينة دركوش وهو من زبائن أم حسن يقول: “أقوم بزيارة دكانها يوميا،ً في كل صباح وأنا ذاهب إلى عملي، وأشتري عدداً من الفطائر”.
وعن رأيه بمذاق الفطائر وسعرها يعتبر الخالد “أن فطائر أم حسن هي أفضل فطائر في المدينة إضافة الى أن دكانها دائماً نظيف، وذلك يشجع على زيارة الدكان، وبالنسبة للسعرها فهو سعر جيد ويمكن لأيٍ كان أن يشتري مهما كانت حالته المادية”.
لم تستطع أم حسن البقاء خارج بلدها ومدينتها رغم أنها كانت تعمل هي وعائلتها في تركيا. أصرت أن تعود لتعمل في بلدها ولو عبر دكان صغير على قارعة الطريق.