ظاهرة الزواج من مقاتلين أجانب… بين عانس وأرملة!
بموجب عقد زواج مشابه يتم ربط مصير الفتاة السورية بالمقاتل الإسلامي تصوير مروة المحمد
“كنتُ أعيش مع أمي المريضة ولدي أخت وأخ. وبعد فترة انضمّ أخي للقتال في صفوف جبهة النصرة، فصار يغيب عن المنزل كثيراً، وقد كان والدي منشغلاً عنا، بسبب زواجه من أخرى. ساءت حالتنا كثيراً، ولم يعد لنا أنا وأمي وأختي من معيل. وبعد فترة، أتى لخطبتي شاب سعودي يُقاتل في تنظيم جبهة النصرة، وكان قد طلبني من أخي. فقدّم لنا جميع الإغراءات المادية التي تحلم بها كل فتاة، لذا قبلت بالعرض. وبعدها سافرتُ إلى تركيا لرؤية أهله، وفورَ عودتنا إلى سوريا تزوجنا”.
قصة هبة (25 عاماً)، هي حالة من بين الكثير من حالات زواج فتيات سوريات من مقاتلين أجانب في كفرنبل تحديداً وريف إدلب عموماً، ولا سيّما مقاتلي التنظيمات الإسلامية.
انتشرت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة لعدة أسباب، في طليعتها، الفقر، ورغبة الأهل بتزويج الفتيات من أجنبي مُقتدر يستطيع دفع مهر عالٍ، بدلا من الزواج بشاب سوري قد لا يملك قوت يومه. ويضاف إلى هذا الواقع أنّ الكثير من الشباب السوريين خرجوا من سوريا، بحثاً عن الأمان أو لإكمال الدراسة.
ومن الأسباب أيضاً، أنَّ بعض العائلات ترضخ لطلب أمراء التنظيمات الإسلامية وعناصرها، فيتم تزويج البنات، خوفاً من الإنتقام والثأر في حال الرفض… مع العلم أنهُ في أكثر الأحيان، لا تتخطّى فترة زواج المقاتلين بالفتيات مدة الشهرين، بسبب تنقلهم من جبهة إلى أخرى.
ومع ذلك، فإنَّ الظاهرة صارت حلاً لزواج الفتيات، ممن تخطينَ السن الذي تتزوَّج فيه الفتاة في المدينة، فلا يعود أحد يطرق باب منزلها. لتقبل بعد ذلك عرض المقاتل الأجنبي، وتُحقق حلمها الذي يُلازمها منذ الطفولة.
وهوَ ما ينطبق على أسماء من كفرنبل التي تزوجت من أجنبي وهي في سن الـ 32 عاماً. تقول أسماء لموقع حكايات سوريا: “أنا الإبنة البكر في المنزل، ولم أستطع إكمال تعليمي كوني أعيش في عائلة محافظة. بعد وفاة والدي وزواج إخواني الشباب وانصراف كل منهم لحياته مع عائلته، تزوّجت أختي الصغرى بشاب من المدينة، وهي أصغر مني سناً… فبقيت أنتظر نصيبي، بأن يطرق أحدٌ بابنا!”
تُكمل أسماء: “تقدّم لخطبتي شاب قطري ينتمي لفصيل إسلامي في سوريا، وكوني تخطيت الثلاثين من عمري، وفرصي بالزواج من شاب من منطقتي قد قلّت، قبلت بالزواج منهُ”.
وبحزن تقول أسماء: “بعد زواجي بأسبوع التحق الشاب بإحدى المعارك في مدينة حلب، ولم أعد أعرف عنه شيئاً حتى اللحظة”!
المرشدة النفسية والإجتماعية ريم (28 عاماً) من ريف إدلب، تقول لموقعنا: “في السنوات الأولى من الحراك في سوريا، رفض الأهالي تزويج بناتهم من مقاتلين إسلاميين أجانب، أما الآن وبعد تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بات بعض الأهالي يوافقون على هذا الزواج… كما أنّ الفتيات يخفنَ من كلمة (عانس)، ما يجعلهن يقبلن بالزواج من مقاتل أجنبي”.
وتردف ريم: “المقاتل الإسلامي القادم إلى سوريا، أول ما يقوم به بعد معرفة المكان الذي سيقاتل فيه، هو الزواج من فتاة سورية”.
كما أنّ ريم تروي من مشاهداتها، أنّ المُقاتلين لم يعودوا يقبلون الزواج بزوجات الشهداء كما كان يحصل سابقاً، بل يريدون العروس “كاملة الأوصاف”! وأحياناً بعد الزواج من الأولى، يقنعها المُقاتل بأن تخطب له بنفسها للزواج من ثانية، بحجّة أنَّ الشرع والدين يسمحان له بذلك.
أمّا أبو عبدالله (65 عاماً) من ريف إدلب يرفض هذه الطريقة من الزواج، ويقول: “أفضّل الموت على أن أزوّج إحدى بناتي لمقاتل أجنبي، لا أعرف أصله من فصله”.
ولا يريد أبو عبدالله أن يصل لمرحلة يُعايره الناس بعبارة “باعَ ابنته لمقاتل أجنبي”. ويقول أنّ معظم المقاتلين، حياتهم غير مستقرة ومصيرهم مجهول.
أبو خالد (55 عاماً) رئيس المجلس المحلي والمختار في بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، يقول: “هناك بعض الحالات التي تمر على مكتبي بزواج بعض الفتيات من مقاتلين أجانب من خلال عقد بين الطرفين بوجود موكل العروس وشاهدين ومهر، لكن بإسم مستعار بالنسبة للشاب”. ويضيف أبو خالد: “حتى لو تمّ تسجيل الزواج بشكل رسمي، هذا لا يعني ضمان حق الفتاة، فهؤلاء المقاتلين ليس لهم وطن ومكان محدّد، كما أنّ أكثرهم يتزوجون بأسماء مستعارة، لأنهم يغيّرون أسماءهم حين يصبحون مقاتلين إسلاميين”.
أحد رجال الدين من مدينة كفرنبل، فضّلَ عدم ذكر إسمه، يقول لموقع حكايات سوريا: “زواج الفتيات من المجاهدين الأجانب ليس محرّماً، ولكن يفضل معرفة نسبه وإسمه الحقيقي من أجل تسجيل الأطفال على إسمه! لكن على ما يبدو هناك نية مبيّتة لدى المقاتلين بأن يكون الزواج مؤقتاً”.
هبة زوجة المقاتل السعودي، رُزقت اليوم بطفل، وتقول: “ما زلتُ راضية عن زواجي، لكني لا أعرف مصيري في ما بعد، وما مصير إبني… ففي أي لحظة يخرج زوجي من المنزل، قد أفقده… وحينها قد أتحوَّل لأرملة وأمٍ لطفلٍ يتيم…”