سراقب: قصف يومي ووضع طبي مزرٍ

ياسمين مرعي

 (سراقب، سوريا) – في الغرفة الوحيدة التي تؤلف مركز “تكافل” في مدينة سراقب في محافظة إدلب للناشطين المدنيين، اجتمع في صباح أحد أيام تموز/ يوليو نحو خمسة أشخاص يخطّون الشعارات المؤيدة للثورة لكي تظهر  في صورة تذكارية.

مروحية تقوم بقصف مدينة سراقب - يوتيويب.
مروحية تقوم بقصف مدينة سراقب – يوتيوب.

بينما كان الجميع مسترسلين في نقاش عن الوضع السياسي، تسوده الحماسة وجو ودّي، تطايرت فجأة قطع الخشب والورق المقوّى الّتي كانت تغطّي النّوافذ. فاتجه الجميع سريعاً بعيداً عن النوافذ نحو  إحدى الزوايا  وسط جو من الذعر.

 ألقت طائرة حربية في ذلك ذلك اليوم أربعة براميل متفجرة على مقربة من المركز. خرج جميع الحاضرين، ومعهم مراسلة “دماسكوس بيورو”، لا يدرون إلى أين؛ فالخوف من الموت أفقد الجميع القدرة على إيجاد وجهة واضحة.

انهار المنزل بالكامل حيث سقطت البراميل. اجتمع السّراقبيّون لانتشال الجثث، وعلا صوت أحدهم: “لا تتجمّعوا، ما زالت الميغ في الجوّ”.

 الوضع لم يتغير منذ زيارة موقع “دماسكوس بيورو” المدينة في تموز/ يوليو. تسيطر المعارضة على مدينة سراقب، ما عدا أطرافها التي ما زالت تشهد اشتباكات بين مجموعات محلية من “الجيش الحرّ ” وبين قوّات النّظام الموجودة في معمل القرميد، وفي المناطق المحاذية لقرية الفوعة التي تسيطر عليها الحكومة.

 تتعرّض سراقب، كغالبية بلدات الريّف الإدلبيّ وقرى جبل الزّاوية، للقصف بالطيران؛ ففيها، إضافة إلى قوّات “الجيش الحرّ “، قوى مسلّحة إسلاميّة تضم “جبهة النّصرة” و”حركة أحرار الشّام” و”دولة الإسلام في العراق والشّام”. كلّ ذلك يعرضها لقصف عشوائي من القوات الحكومية يجعل الحظ في أحيان كثيرة هو المنقذ الوحيد.

 قتل في القصف ذلك اليوم ستة أشخاص، هم عائلة مؤلفة من والدين وشابين، وزوج الإبنة، بالإضافة إلى الجار. سقط أيضاً نحو ثلاثين جريحاً استقبلتهم المستشفيات الخاصة الثلاثة في المدينة، والتي تسيطر  على أحدها “حركة أحرار الشام”.الأطبّاء متواجدون بأعداد قليلة وكذلك الممرّضون، وهم يتعاطون مع الوضع بما بقي لديهم من طاقة على احتمال ألم العجز عن إنقاذ بعض الحالات.

فهذه المشافي بإمكاناتها المتواضعة تستقبل في غرفة العمليّات عشرات الجرحى معاً وهذا ليس وضعاً استشفائيّاً طبيعيّاً، بحسب الناشط محمد (اسم مستعار)، الذي يضيف أن مستشفيات سراقب، وكافة محافظة إدلب، تخضع لضغوط كبيرة بسبب استقبالها جرحى مقاتلي المعارضة من حمص وحماه، بالإضافة إلى إدلب نفسها.

يقول محمد: “هذا يضعنا أمام قتيل وعشرة جرحى كمعدّل وسطيّ يومي ويضع الناشطين في مأزق دائم”.

وبحسب الدّكتور عبد الحكيم رمضان عضو “المجلس المحلّيّ في سراقب”، فإنّ المشافي في المدينة تشكو نقصاً في الأدوية والموادّ الطبّيّة، ويضيف أن “الحاجات بشكل عام تتعلّق بجراحات الحروب، وتبدأ من المعقّمات والشّاش والضّمادات والسيرومات بأنواعها، ولا تنتهي عند المضادّات الحيويّة والمسكّنات”.

يعاني الأطّبّاء من النّواقص في غرف العملياّت؛ حيث تعوزهم الخيوط بأنواعها، ولوازم ضروريّة أخرى كمفجّرات الصّدر، وهي أنابيب تستخدم لإخراج الهواء المتسرب من الرئة في حال تعرضت للثقب، لقثاطر البوليّة، ولوازم الإنعاش، وأكياس الدّم وأجهزة نقله. كما يوجد نقص في عقار “أتروبين” الذي يعالج حالات التسمم بغاز السارين السام، الذي يقول الناشطون إن المدينة تعرضت له أكثر من مرة خلال العام الحالي، بالإضافة إلى عقاقير تستعمل في الإنعاش في حالات صعوبة التنفس والتخدير الجراحي.

 يقول رمضان إن معظم المواد الضرورية تستهلك يوميّاً ولا تعوّض إلا بشكل جزئيّ، مما يعني أنها قد تفقد في أي لحظة، ويضيف: “تفتقد أقسام الجراحة العصبيّة في سراقب لجهاز تصوير طبقيّ محوريّ، فالجرّاحون متواجدون لكن لا حيلة لهم  أمام العديد من الحالات بسبب عدم توافر هذه الأجهزة”.

ويشكو رمضان أيضاً غياب الاختصاصيين عن أقسام جراحة الصّدر والأوعية الدموية، ممّا يدعو إلى تحويل الكثير  من الحالات التّي تتوافد إلى مشافي سراقب إلى المراكز  الطبية البعيدة عن المدينة عند الحدود، والتي تمتاز بتجهيزات أفضل وطواقم طبية أكبر وأكثر تخصصاً، أو إلى داخل الأراضي التركيّة إذا كانت الحالة مستعصية.

 إلا أن نقل الجرحى إلى هذه المراكز، كما يقول رمضان، ينطوي على مخاطر ، إذ قد يتوفى الجريح أثناء الرحلة التي تستغرق أكثر من ساعة بسبب عدم وجود طبيب أو فني إنعاش داخل سيارة الإسعاف.

 وعلى عكس المتوقع  في ظلّ الظّروف الصّعبة، ورغم نزوح قسم لابأس به من السّكاّن والأطبّاء والكوادر المتفرّقة، اختار قسم كبير من الأطبّاء البقاء في المدينة، ومن بقي منهم اليوم يتواجد في غالبيّة الوقت في المشافي، ويقوم بعمله لقاء مردود بسيط يساعده على الاستمرار فقط.

قسم آخر من الأطبّاء اختار إنشاء عيادات مجانيّة للمتضرّرين وعوائل الشّهداء والجرحى والمعتقلين، بالإضافة إلى المعوزين، بحيث يضمن معاينتهم مجاناً، ويكمل دور المكتب الطّبّي في المجلس المحلّيّ، الّذي منح هذه الفئة بطاقة طبّيّة تضمن لصاحبها تغطية ثمن حاجته من الدّواء، علماً أنّ المكتب الطّبّيّ يدفع التّكاليف من التّبرّعات الّتي تصل من مغتربي المدينة، ومما يقدّمه ميسورو الحال من سكانها.

واشتكى أكثر من عضو في المكتب الطبي في “المجلس المحلي” من أن المساعدات المقدّمة من والجمعيّات الإغاثيّة دون المستوى الحقيقيّ لحاجات النّاس، الذين استنفدوا مدّخراتهم، بالإضافة إلى شعورهم بالإنهاك جراء استمرار القصف ومواجهتهم خطر الموت.

 في طريق العودة إلى مركز “تكافل” في اليوم نفسه، بدا التجهم على وجوه الناشطين، وغابت الحيوية وحس الدعابة. كان الجو الكئيب يخيم أيضاً عل الطريق الواصلة بين موقع القصف والمركز، التي تحفها المتاريس الرّمليّة والكتابات الثورية، التي تغطي  الجدران وتشتهر  بها المدينة.