رحل العم الحنون وبقي الأب السيء
أنا من أسرة فقيرة جداً، تضمني إلى أب وأم وأربعة أخوة. والدي شخص مع الأسف سيء الأطباع، يدمن الكحول والمخدرات. أخواي الكبيران تركا المدرسة وهما في الصف الثاني والأول، من أجل أن يعملا و يصرفا علينا أنا و أخوتي ووالدتي، أما والدي فلا نفع له أبداً، ولا يملك من أمره شيئاً سوى أن يسلك طريق الهلاك الذي أثر سلباً علينا.
استمرّت حياتنا على هذا النحو لسنوات. ما إن قامت الثورة حتى انصلح حال والدي فجأة، أصبح بيده مالاً، وراح يصرف علينا، ويجلب لنا كل ما نشتهي. أصبحنا سعداء. لكن من أين لك هذا يا أبي؟
مع الأسف استغل والدي قيام الثورة، وسلك طريق السرقة والنهب والاحتيال، وأشياء كثيرة كلها سيئة. هذا كان مصدر المال الذي صرفه علينا وأسعدنا به. هو رزق حرام لم يدم طويلاً. ما هي إلا شهور وعاد والدي إلى حياته وتصرفاته السيئة. تزوج من امرأة أخرى، وكان كلما يأتي لزيارتنا يضربنا ووالدتي.
كان عمي، زوج خالتي يساعدنا كثيراً، ويحاول أن يعوضنا عن حنان الأب الذي حرمنا منه والدنا السيء. عمي شخص جيد ,حنون بعكس والدي.
في السنة الثالثة من الثورة والدي لم يصطلح حاله. وعمي الحنون يحيطنا بعطفه ورعايته، ويخاطر بنفسه ليؤمن لنا لقمة طعام ليسد جوعنا.
في يوم من الأيام في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2014 ، ذهب عمي ليؤمن لنا رزقاً طيباً نأكله. الجو بارد جدا ونحن ننتظر عمي بفارغ الصبر لكي نأكل وننام. نلف بعضنا البعض لنتدفأ لعدم وجود الوقود لنشعل مدفأة. تأخر الوقت ولم يعد عمي، نعد الثواني وننتظر والوقت يمضي، ولم يعد عمي. سهرنا طوال الليل ونحن ندعو الله ليحفظه ويرده لنا سالماً. خفنا عليه كثيراً .في الصباح الباكر، خرجنا نبحث عنه، ونسأل الناس هل من أحد رآه ؟ لكن ما من جدوى .
أمضينا النهار بأكمله ونحن نسأل ونبحث، إلى أن سمعنا صوتاً من المسجد القريب لمنزلنا ينادي عن شهيد؛ إنه عمي! قتله رصاص قناص النظام الغادر. يا إلهي لماذا عمي؟ إنه شخص طيب وجيد يا ليت الرصاصة كانت لوالدي السيء. رصاصة الغدر أخذت عمي منا ومن عائلته. عمي أب لثلاثة أطفال ونحن خمسة بالإضافة لوالدتي وخالتي. عمي كان المسؤول عنا وعن رعايتنا، الآن أصبحنا أيتاما.
آه يا عمي احترق قلبي، نحن السبب لو كان والدنا جيداً لما تعذبت بنا يا عمي. ضحيت بروحك الطاهرة من أجل لقمة عيشنا . آه آه آه آه آه من كل قلبي آه. ليتني كنت عوضا عنك يا عمي.
حاولنا جاهدين مع والدي بالاستعانة ممن هم كبار البلد في حرستا. لعل وعسى ينصلح أمره، ويسأل عنا ويرعانا ويهتم بنا. لكن ما من جدوى معه. كل ما كان من أمره أن طلق والدتي وذهب. تركنا نتصارع مع هذه الدنيا في الغوطة الشرقية المحاصرة. أطفال يتامى ماذا بوسعنا أن نفعل.
و بعد فترة من الزمن علمنا بأن والدي ألقي القبض عليه وهو يسرق. لم أحزن عليه أبداً، لم نذق منه سوى الذل والضرب والإهانات .
أبلغ من العمر 13 سنة. كل يوم أخرج من المنزل أركض وراء السيارات التي توزع الطعام في البلدة. لعلي أحصل على شيء يكفينا أنا و إخوتي و خالتي و أبنائها. ما إن أحصل على الطعام أعود للمنزل، وأغير ملابسي و أخرج لأجري وراء السيارة لأحصل على حصة أخرى من الطعام.
أتمنى أن أعيش مثل الفتيات الأخريات، ألبس ثيابا جميلة وأذهب إلى المدرسة أنا وإخوتي.