حلب: حكاية خبز ودماء

شادي عزام

في حلب، لا يدفع الناس ثمن الخبز مالاً، بل دماء ودموع.

كثيرة كانت الثورات والحروب في العالم، ولكن الثورة السورية مختلفة عن سابقاتها.

هل يتصور أحد أن يُقصف تجمع من الرجال والنساء والأطفال وهم واقفين أمام الفرن كي يشتروا الخبز؟ هذا ما حصل في حلب يوم الإثنين 3 كانون الأول/ ديسمبر، حيث قامت قوات النظام السوري بقصف فرن الإدلبي في منطقة بستان القصر بالطائرات الحربية، موقعةً اثنين وخمسين شهيداً ومئة وثمانية وسبعين جريحاً كانوا يصطفون أمام المخبز.

هذه المجزرة لم تكن الأولى من نوعها، فقبلها بيوم واحد طال القصف فرناً في منطقة الهلّك في حلب أيضاً، فسقط  ثمانية شهداء. كان الخبز مغمساً بالدماء وملقى على الأرض بجانب أشلاء الضحايا. وتكررت هذه المأساة خارج حلب أيضاً، حيث أصيب عشرات الأشخاص حين قصف مخبز في الزبداني في ريف دمشق يوم الإثنين 10 كانون الأول/ديسمبر. هذه بعض من الأمثلة العديدة على معاناة السوريين وتحملهم المخاطر من أجل تأمين أبسط مستلتزمات حياتهم.  

أصبح الخبز شبه مفقود في حلب ويوزع بكميات قليلة. وصل سعر ربطة الخبز العادي إلى مئة وخمس وسبعين ليرة وسعر ربطة الخبز السياحي إلى مئتي ليرة، فأصبح الحصول على الخبز نوعاً من الترف. الكاتب الحلبي بكر صدقي علق على صفحته في فيس بوك متهكماً: “صار الخبز متوفرالربطة بميتين ليرة صرت لما أشتري ربطة خبز وأمشي في السوق، أشعر بالخجل من إيمتى وبعد أنا من الطبقات العليا؟”

هذا هو حال عاصمة سوريا الإقتصادية وأكبر مدنها، التي خذل شعبَها الجميع؛ فلا النظام يهمه أمرها ولا حتى المعارضة، التي جعلت من هذه المدينة ميداناً لمعركة كسر عظم، دفع ثمنها المواطنون الأبرياء.

 تتعدد الأسباب وراء هذه الأزمة، فمنها توقف عدة مطاحن في محافظة حلب عن العمل وصعوبة وصول الطحين إلى الأفران بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وشح المحروقات الضرورية لعمل الأفران. ومما زاد من حجم المصيبة انقطاع مادة الخميرة بسبب توقف عدة معامل عن الإنتاج بسبب الإشتباكات، وأهم هذه المعامل معمل “خميرة دمشق” الواقع في بلدة شبعا في ريف دمشق، وهذا المعمل يزود معظم المحافظات، من ضمنها حلب، بالخميرة.

الإنتقادات التي تصدر عن مناصري المعارضة على مواقع التواصل الإجتماعي لم تطل النظام فقط، بل طاولت الجيش الحر أيضاً، وكان لوم المعارضة في بعض الأحيان أقسى من لوم النظام لكون هذا الجمهور يتوقع من الجيش الحر أن يكون هو حامي الشعب السوري. ولعل أبرز هذه الإنتقادات ما تضمنه بيان أصدره “محامو حلب الأحرار” وتناقلته مواقع التواصل الإجتماعي. هؤلاء المحامون الذين يناصرون الثورة إتهموا بعض كتائب الجيش الحر صراحة بأنهم يقومون بتهريب القمح الذي وضعوا أيديهم عليه في ريف حلب والحسكة إلى خارج سوريا. هنا يطرح السؤال التالي نفسه: إذا صحت هذه المعلومات، فلماذا تفعل الكتائب ذلك؟ هل لدفع ثمن القمح مقابل سلاح يستخدم في قتال النظام، في حين أن هناك عائلات كثيرة لم يدخل إلى بيوتها كسرة خبز منذ أيام؟ نحن نريد التخلص من نظام فاسد وغير أخلاقي، فلا نريد أن تكون المعارضة نسخة عنه.

بعد وصول الوضع في حلب إلى مستوى كارثي، يتم الآن الحديث عن حلول إنقاذية بمبادرات من المجلس الوطني أو رجال أعمال مغتربين يحاولون إدخال المعونات عن طريق تركيا. وإلى حين رؤية نتائج هذه المبادرات، يبقى السؤال عن مسؤولية كل من النظام والمعارضة عن تأزيم الوضع الحالي.

حلب مدينة الرخاء أصبحت مدينة الجياع، فمتى ينتهي هذا الكابوس؟

الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب وحده ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع التحريرية