جامعات حرّة وافتراضية في إدلب
لم يكن محمد يعلم ماذا سيفعل، لم يكن عنده أدنى فكرة أين سيكمل دراسته الجامعية. محمد الذي أصابته الحيرة وأعقبها الحزن لم يكن وحده من يعاني من هذا الوضع، فالمنطقه تخلو من أي جهة تعترف بشهادة الائتلاف الثانويه. إلّا من بعض المشاريع التي أنشئت حديثاً لمساعدة مثل هؤلاء الطلاب، وهي تنتظر أن يتم الاعتراف بها دولياً.
تلقى محمد نصيحة من أحمد حناك (40 عاماً) وهو أحد الذين يعملون في المجال التربوي في كفرنبل. تقضي النصيحة بالتسجيل في جامعة إدلب السابقة والتي باتت تحمل إسم جامعة حلب الحرّة. الجامعة التي أعادت تأهيلها الإدارة المدنية التابعة لجيش الفتح بموجب القرار رقم 416 الصادر في 16 أيلول/سبتمير 2015. ويتلقى التعليم في الجامعة الطلاب الذين يتبعون المنهاج التعليمي السابق والمنهاج الجديد.
اختار محمد الدراسة في فرع التربية، وهو الاختصاص الذي يحبه. تعرف على بعض المدرسين في الجامعة. كما تعرّف على أمين سر الجامعة إبن بلدة معرة حرمة الأستاذ أنس الحاصود (50 عاماً). يقول الحاصود ان الجامعة تلقت وعوداً بإمكانية
الاعتراف بها من قبل عدد من الجامعات، من ضمنها جامعة طرابلس في لبنان، وجامعتي اريتز ودوزجا في تركيا.
حافظت جامعة إدلب السابقة، على تخصصاتها وفروعها من كلية العلوم بأقسامها المختلفة من رياضيات وفيزياء وكيمياء وعلم الأحياء. إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأقسامها أدب عربي وأدب إنكليزي وأدب فرنسي وآثار وتاريخ. وكليات التربية والحقوق إضافة إلى المعهد الثقافي للحاسوب. وجديد هذا العام إضافة إلى التخصصات السابقة المعهد الطبي وكلية الصيدلة، وكلية الشريعة. كما تسعى الجامعة إلى إنشاء كلية طب ولكنها تحتاج لبناء ضخم ومعدات كثيرة. وبحسب الحاصود قد تقام خارج إدلب، في سراقب أو في الاتارب، وهذا رهن بتوفر الظروف الملائمة. ولا يغيب عن التداول اقتراح إنشاء فرع لطب الأسنان. في ظل توفر جميع الإمكانيات من كادر التدريس، والمعدات، والمواد الدراسية، بالاضافه للتجهيزات كافة.
علاء (21 عاماً) ابن قرية مرعيان شمال كفرنبل، يواجه وضعاً مختلفاً. فهو كان قد درس السنة الأولى قسم الحقوق أثناء سيطرة النظام على المدينة. وتابع دراسته للسنة الثانية في نفس الجامعة ولدى نفس المدرسين هذه السنة. مع العلم بأنه قد حصل على الشهاده الثانوية من النظام سابقاً. علاء يقول :”أنا مسرور لأن كادر التدريس لم يتغير، كذلك المكان. وأستطيع التواصل مع زملاء الدراسه بسهولة”. ويلفت علاء إلى أن هناك نسبة الطلاب الذين يدرسون هذه السنه في جامعة ادلب تكاد تكون ثلاثة أضعاف ما كانت عليه السنة الماضية. وذلك بسبب خوف الكثير من الطلاب من الدراسه في جامعة حلب التي لا زالت في أيدي النظام. ويشير علاء إلى مسألة الحضور في الحصص، حيث يمكن الاستغناء عن متابعة المحاضرات اليومية من خلال شراء المحاضرات وقراءتها بعيدا عن الجامعة. نمط خاص من الدراسة عن بعد، نتيجة غياب الدروس العملية عن المنهاج الخاص بدراسة الحقوق. فيما تتطلب بعض الاختصاصات الحضور لأيام أكثر وهذا تبعا لما تقوم عليه من تدريبات عملية.
بدون تردد قررت لينا (20 عاماً) التسجيل في جامعة إدلب فور سماعها بنبأ إعادة افتتاحها. لينا كانت قد حصلت على الثانوية العامة من إحدى مدارس الائتلاف في تركيا في العام 2013، حين كانت هناك بصفة لاجئة. وتعبّر لينا عن سرورها بالقول “لم أكن أتوقع أنه سيأتي اليوم الذي أستطيع فيه الاستفادة من شهادة الائتلاف الثانوية التي حصلت عليها”. وتقول لينا انها دفعت مبلغ 100 دولار أميركي للتسجيل في الجامعة، بينما تبلغ كلفة المواد العلمية 200 دولار في السنة. وتعتقد لينا أن الدراسه لا تسبب خسارة أبدا ولا يهم اعترف أحد بها أم لا.
نوره صديقة لينا (20 عاماً) لا تملك قسط الجامعة ولا ثمن الكتب المقررة، ولا مصاريف المواصلات. و بالرغم من أن نوره كانت قد درست السنة الأولى السنة الماضية في نفس الجامعه فترة حكم النظام، إلا أنها حاليا تفكر بتركها وهي تحتج بقولها “لا داعي لوضع تلك المصاريف طالما أن الجامعه غير معترف بها في النهاية”.
أحمد حناك ينصح الطلاب بعدم الانشغال الزائد بمسألة الاعتراف بالشهادة، لأنها مسأله مجهوله وغير مستقرة في زمن الحرب. ويضرب مثلا على ذلك الجامعات السورية التابعه للنظام والتي تراجع مستواها بشكل كبير، بسبب الظروف الأمنيه الغير مستقرة. وهذا يعني انه ربما في قادم الأيام إحدى الجامعات السوريه قد تصبح غير معترف بها. ويعتقد الحناك أن مسألة الإعتراف لا يمكن أن تأتي إلا بعد تخرّج دفعه أو دفعتين من الطلّاب. ويلفت إلى أن الطالب أصبح يحصل بعد تخرجه على إشعار بإنهاء المرحلة الجامعية، بدلاً من الشهادة.
زميلة لينا ناهد قررت أن تتابع تعليمها في جامعة أكسفورد للعلوم التي أنشئت في كفرنبل في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، استناداً إلى قانون صادر في العام 2003. وترد ناهد سبب اختيارها لجامعة أكسفورد “لكون الجامعة تحوي فرع إدارة الأعمال. وهو غير موجود في الجامعات الأخرى عدا عن كونها مريحه توفر عناء السفر والتنقل”.
جامعة أكسفورد في كفرنبل لا علاقة لها بجامعة أوكسفورد البريطانية، إنما تتبع لجامعة أكسفورد للعلوم ومقرها الرئيسي صنعاء في اليمن. وتأسست الجامعة بمجهود مشترك من كل من الأستاذ أحمد حناك ومجموعه من زملائه السوريين ومنهم الأستاذ عمار قدور (52 عاماً) من بلدة حاس الذي يتولى منصب رئيس مجلس الإدارة، نائب عميد الكلية الدكتور في التاريخ رشيد شيخو (50 عاماً) من حلب، رئيس مجلس الأمناء الدكتور في اللغة العربية محي الدين كنانة (55 عاماً) من حلب. وبحسب حناك “تتبع جامعة أكسفورد الافتراضية لجامعتي أكسفورد في صنعاء اليمن وغازي عنتاب تركيا. وقد تم تجهيز كافة المعدات اللازمة لها ولم يتبق إلّا استئجار البناء”.
رئيس مجلس الإدارة عماد قدور يلفت إلى أنه قد تم إنشاء فرع آخر لأكسفورد الافتراضية في مدينة الأتارب في حلب.
وسيكون التدريس عن طريق النت من قبل مدرسين في غازي عنتاب التركية، وهؤلاء من جنسيات عربيه مختلفه من العراق، مصر، سوريا. ويأسف عمار قدور على التأخير في افتتاح الجامعه رسمياً على أرض الواقع، رغم حصولهم على الموافقه من مدير الجامعه الرئيسيه في اليمن عبد الباسط عبد الله محمد منذ ما يقارب السنة. ويرد التاجيل لأسباب عدة منها ما يتعلق بتقبل الناس لهذه المشاريع الدراسية وعدم ثقتهم بضمان مستقبلها.
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي