تفجير جرمانا: إستهداف السلم الأهلي

شادي عزام

الصورة من موقع المندسة السورية

الثلاثاء الماضي كان يوماً حزيناً في جرمانا: تفجير سيارة “بيك أب” عند دوار الرئيس، راح ضحيته السائق بينما نجت زوجته. ويستمر ألم المدينة بعد ساعات قليلة بتفجير آخر استهدف موكب تشييع شابين معروفين بمناصرتهما للنظام السوري، سقطا أيضاً بتفجير يوم الإثنين. راح ضحية تفجير الثلاثاء الثاني حتى اللحظة أكثر من 27 شهيداً وعشرات الجرحى، غصت بهم مشافي المدينة.

التفجيرات رمت المنطقة الهادئة نسبياً في الغوطة الدمشقية في زوبعة غضب وحزن.

وكما في كل تفجير، تصل قناة الدنيا في وقت قياسي مع ظهور الشبيحة الذين يهللون ويهتفون لبشار الأسد، مما يثير الشبهات حول الدورالحقيقي للنظام فيما حصل.

أهالي المدينة طالما كانوا منسجمين بشكل فريد، بالرغم من تعدد مذاهبهم. فالمدينة تحتضن السنة والعلويين والدروز والمسيحيين، ولم تُسجل في تاريخها أي نزاعات طائفية. بل على العكس، يتشارك أبناء المدينة بالأفراح والأتراح بكل صدق ومودة.

لقد أثار هذا الواقع حفيظة النظام، فعمد منذ اندلاع الثورة السورية إلى محاولات شق الصف وزرع الفتن. بدأ هذا مع خروج أول مظاهرة في جرمانا، حيث جاءت ردة الفعل من الشبيحة المأجورين من النظام للإعتداء على بيوت الناشطين وملاحقتهم أينما كانوا، أمام مرأى أجهزة الأمن والمخابرات. حمل الشبيحة السلاح ونصبوا الحواجز في شوارع المدينة، وتعمدوا إلحاق الأذى بأي شخص يأتي من خارج جرمانا، مع نشر شائعات عن هجوم أهل المناطق السنية المتاخمة لجرمانا على دروزها. لكن أحداً لم ينجر وراء هذه الشائعات، بل على العكس، جاءت ردة الفعل إيجابية، حيث قام وفد من أبناء المدينة بزيارة المناطق المجاورة بهدف تقديم التعازي والتأكيد على حفظ السلم الأهلي، كما بذل الناشطون والأهالي جهوداً مضنية لتقديم يد العون للأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين نزحوا إلى جرمانا هرباً من القتل والدمار وسكنوا مدارسها.

بالرغم من أنّ ظروف التفجير توحي وكأنه يستهدف النظام ومناصريه، إلا أنّ حتى الآن لم يتبنَّ أي فصيل من المعارضة المسلحة العمل، وهناك من أهل جرمانا من يعتقد صراحةً أن النظام هو من قام بالتفجير.

قال لي أحد الذين تحدثت معهم من أبناء المدينة: “أنا مؤمن أنّ ما يجري يعدّ له إعداداً متقناً لجر جرمانا نحو الفتنة مع محيطها وأي صوت يعلو بهذا الإتجاه يجب أن يسكت، لا صوت يعلو فوق صوت الزعران ولا صوت تخطى صوت السلاح الذي وقع بأيدي المجرمين.”

سيدة أخرى أدلت برأي مشابه، مشيرة إلى دور لمليشيات النظام في التفجير: “نحنا تعودنا على وساختن… نفس اللي صار بتفجير التشييع بزملكا… وهني بدهن يوتروا الوضع بجرمانا وهاد اللي صار مبارح. صار حظر تجول وسكروا المحلات وماخلّوا السيارات تفوت.”

التيارات السياسية المؤيدة للثورة أيضاً وقفت ضد الإعتداء. ففي بيان أصدرته لجنة العمل الوطني الديمقراطي في جرمانا، وهي لجنة تأسست بعد عدة أشهر من انطلاق الثورة وتشمل الكثير من الناشطين السلميين والكتل السياسية، جرى التشديد على أهمية السلم الأهلي المميز في المدينة، وعلى ضرورة تفويت الفرصة على النظام الذي يحاول بشتى الطرق تمزيق هذه المدينة طائفياً، كما ناشدت اللجنة العقلاء ومشايخ الدين في جرمانا أن يتحملوا مسؤولياتهم ويفشلوا غاية النظام في خلق اقتتال طائفي. وأصدرت أيضاً تنسيقيات الغوطة بياناً مشتركاً تعزي فيه أهالي جرمانا بضحايا التفجيرات وتأكد على أن هذا العمل الجبان لا يمكن أن يكون من إحدى فصائل الثورة والجيش الحر بل هو من عمل النظام المجرم الذي انتقم من أهالي جرمانا لجعلهم مدينتهم مدينة السلم الأهلي والعيش المشترك.

طوال أكثر من سنة ونصف بعد بدء الثورة السورية، حاول النظام جاهداً زرع الفتن ولم يفلح. هل سيفلح الآن وهو على حافة الهاوية أم ستبقى جرمانا كما سورية بلد للسلم الأهلي والعيش المشترك؟

أسماء بعض الشهداء الذين قضوا في  التفجير:

الشهيد ديب مسعود من قرية الدور في السويداء

الشهيد ياسر الحسين

الشهيد عامر الغوطاني

الشهيد عامر غانم

الشهيد فرح فاضل

الشهيد لؤي كاشي من الشاغور

الشهيد عماد ابو رسلان

الطفلة فرح فاضل

الطفل كرم غسان محيو، من قرية لاهثه في السويداء وطفل آخر لغسان محيو لم يعرف اسمه

الطفل مازن حمزة

 لهم الرحمة

  الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع التحريرية.