تحديات الإغاثة: دور للمهجر والتخطيط يبقى أساسياً

هيفيدار ملا

“بحكم الظروف التي مرت بها الثورة والقتل التعسفي والحصار الشديد على المدن والوضع الإقتصادي الخانق، كان لا بد من تشكيل هيئات إغاثة تقوم بخدمة المجتمع السوري من أجل العناية بعوائل الشهداء والمعتقلين والفقراء والنازحين،” تقول سلمى، الناشطة في دمشق في واحدة من مجموعات الإغاثة:

الثمن البشري للأحداث في سوريا لا ينفك يرتفع، إذ تشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ عدد اللاجئين السوريين في الخارج قد تجاوز 120 ألفاً، بينما بلغ عدد النازحين في الداخل 1.5مليون، بحسب تقديرات نقلت عن الهلال الأحمر السوري.

هذه النشاطات الإغاثية رافقت الثورة منذ بدايتها في بعض المناطق. في حماة، كما يروي رامي، وهو ناشط من المدينة يعمل في مجال الإغاثة، إستفاد الناشطون من سهولة التحرك قبل أن يدخل الجيش في آب/أغسطس من العام الماضي، وعملوا على جمع المعلومات عن الإحتياجات الإنسانية في المدينة.

مدونة مبادرتنا

“إستطعنا منذ الشهور الأولى من الثورة تشكيل هيئة مالية في مدينة حماة، قمنا خلالها بإنشاء جداول بأسماء العائلات ذات الأوضاع الميسورة والمؤيدة للثورة لدعمنا بالمال وتوزيعها على المحتاجين وهي إما معونات أسبوعية أو شهرية،” يقول رامي، مضيفاً أنّ خبرة نشطاء حماة سمحت لهم بوضع خطط إغاثية للمناطق الأخرى التي وقعت تحت الحصار الأمني، مثل حمص وريف دمشق.

“إن طريقة الجدولة ساعدتنا كثيراً في عدم حرمان العائلات المنكوبة من وصول الإحتياجات، بالإضافة إلى أنّها تعزز الثقة التامة فيما بيننا،” يضيف رامي.

لم يكن من الممكن الإعتماد على الموارد الداخلية فقط لجمع التبرعات، فأصبح العمل الإغاثي يعتمد على شبكات ناشطين في الداخل يتولّون توزيع المساعدات التي يجمعها نشطاء سوريون في المهجر، في دول أغلبها متعاطف مع الثورة.

“كانت استجابة الجاليات السورية في الخارج جيدة،” تقول سلمى. “لم يقتصر الدعم على تأمين الألبسة والمواد الغذائية فقط، بل تم تقديم (…) معدات إعلامية كي يتواصل النشطاء مع القنوات والوكالات العالمية والعربية بسبب الإنقطاع الدائم لخطوط الإنترنت في سوريا وعدم سماح النظام بدخول وسائل الإعلام.”

إحدى الجهات التي تعمل على جمع المعونات في الخارج هي حركة شباب وفتيات لأجل سوريا، وهو تجمع إغاثي سوري يعمل في السعودية، ويتفرع إلى قسمين منفصلين، واحد للشبان والآخر للفتيات.

أهداف الحركة، حسب قول أحد الأعضاء مثنى الراعي، هو دعم الداخل السوري بالإضافة إلى “إشعال روح الثورة بداخل كل سوري مغترب،” على حد وصفه.

يحرص التجمع على التواصل المستمر مع نشطاء الداخل، فالحركة، بحسب قول مثنى، هي عضو في كل من الهيئة العامة للثورة السورية، وفي الهيئة العليا للإغاثة، كما تتعاون مع فرق سورية عديدة في المغترب مثل فريق سيان وفريق معكم وفريق الحلم.

وعن أهم الحملات التي قامت بها الحركة، تقول عبير، المسؤولة الإعلامية في حركة فتيات لأجل سوريا: “كان لنا حملة في كل مناطق المملكة وصلنا خلالها إلى أربعمائة عائلة سعودية ساهمت في دعم حركتنا بالمواد العينية والملابس، ثم قام فريق الحركة بزيارة اللاجئين السوريين في لبنان بغرض تفقد أحوالهم ومنحهم معونات غذائية وملابس بالتعاون مع جمعية العطاء الجزيل في وادي خالد وجمعية البشائر في طرابلس، كما قام الفريق بحملة “رداؤنا رداؤكم” بهدف جمع الألبسة والألحفة وكسوة الشتاء للاجئين السوريين في الأردن ولبنان.”

تنشط فتيات الحركة في تنظيم أسواق خيرية، أو حفلات للإلقاء الشعري أو التمثيل أو الرقص الفلكلوري، وهي بالإضافة إلى هدفها الريعي، تهدف إلى “صقل المواهب وتنميتها لخدمة الثورة ودعم أخوتنا المحتاجين في الداخل، ومن أجل بناء سوريا الجديدة مستقبلاً،” بحسب قول عبير.

يقول مثنى إنّ هذه التبرعات يتم إرسالها إلى الداخل بشكل سري، حيث تقوم التنسيقيات بتوزيعها، أو يتم إرسالها إلى الدول المجاورة لسوريا ليتم تسليمها للّاجئين عبر جهات مثل شباب مستقبل سوريا (شمس)، ورابطة المرأة السورية، التي تقوم بتوزيعها وإرسال تقارير عن آلية التوزيع ومن ثم تقوم حركة شباب وفتيات سوريا بأرشفتها.

وقد أطلق كلٌّ من الحكومتين السعودية والقطرية حملة وطنية لجمع التبرعات لسوريا، وقد أعلن الموقع الرسمي للحملة السعودية عن جمع ما يزيد عن 271 مليون ريال سعودي حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

ولكن لا تتفق آراء جميع الناشطين حول نجاح جمع المعونات في الخارج.

“الحركات الشبابية وتجمعات الجاليات السورية في الخارج تعمل منذ بداية الثورة على دعم الأهالي في الداخل من خلال إرسال المعونات عبر قنوات متعددة،” تقول نور، إحدى الناشطات الميدانيات في ريف دمشق. “ولكن بكل صراحة ومن خلال تجربتي ليست كل تلك القنوات أو الدول التي تستقبل اللاجئين تقوم بعملها.”

“زرت منذ مدة مخيم اللاجئين السوريين في الرمثا بالأردن؛ هناك الكثير من المؤسسات المسؤولة عنهم وعن تأمين المسكن والمأكل، لكن في بعض الأحيان المعرفة الشخصية والعلاقات تلعب دوراً كبيراً بالمساعدات،” تضيف نور. “بعض العائلات تحصل على حصة أكبر من البعض الآخر بحكم المعرفة. إنّ حملات الدعم على شاشات التلفاز للاجئين السوريين في الأردن ليست سوى دعاية إعلامية، (…) لكن في الواقع وبعيداً عن أعين الكاميرات لا “يصل إلى هؤلاء اللاجئين ربع ما يعرض على شاشات التلفاز من تبرعات ومساعدات عينية،” حسب قول نور.

توزيع المعونات في الداخل لا يخلو بدوره من الإشكاليات.

“تم اكتشاف عدة تجاوزات للعمل الإغاثي وعدم الشفافية في الكثير من أماكن التوزيع، حيث أذكر أن شخصاً كان من نشطاء الإغاثة في ريف دمشق ويقوم باستلام كل المواد ويوزعها بدقة عن طريق الجداول، وعندما تم اعتقاله، وبعد خروجه، إكتشف نقصاً كبيراً في المعونات النقدية،” تقول رهف، وهي ناشطة ميدانية في دمشق.

العبء الناتج عن العمل الإغاثي دفع برهف حتى إلى الترحيب بتولي الجمعيات الحكومية عملية إغاثة النازحين إلى دمشق من المحافظات الأخرى.

“لقد أراحنا تكفل الجمعيات بالنازحين بعض الشيء من ناحية سلامتنا والمساءلة وشفافية العمل، وبهذا اقتصر عملنا على دعم الجيش الحر والثوار المطلوبين وتزويد المشافي الميدانية بالمواد الطبية،” تقول رهف. “هذا الأمر يتم بالتنسيق بين النشطاء الذين باتوا يعتمدون على الدعم الداخلي من التجار وداعمي الثورة من رؤوس الأموال.”