تجارة الخطف في حلب

رشا رامي

في حلب، يكاد لا ينقضي يوم دون أن يُسمع عن حادثة خطف أحد الأشخاص، بغض النظر عن انتمائه الديني أو السياسي. تبدأ رحلة عائلة المختطف للبحث عنه في فروع الأمن، مروراً بكتائب الجيش الحر، لتنتهي في أكثر الأحيان باتصال هاتفي من إحدى العصابات، التي باتت معروفة في المدينة، تطالب خلاله عائلة الضحية بفدية مالية. ظهرت هذه الأعمال قبل تفجر القتال داخل المدينة في شهر تموز/يوليو.

مقاتلون من الجيش الحر في حلب يعلنون تحرير مخطوفين – يوتيوب

“عملية اختطافي لم تأخذ أكثر من خمس دقائق حيث أوقفني رجل في الشارع وضربني على رأسي ووضعني في السيارة،” يقول ميشيل (45 عاماً)، وهو طبيب تم خطفه من أمام منزله في منطقة السليمانية. “إستمر خطفي أسبوعاً كاملاً قضيته في صندوق خشبي كبير برفقة شاب لم يناهز عمره التاسعة عشر، حيث اضطررنا إلى قضاء حاجتنا والأكل والشرب في هذا الصندوق، هذا بالإضافة إلى التعذيب النفسي الذي مارسه الخاطفون علينا، بتهديدنا بالقتل إن لم تُدفع لهم الفدية كاملة.”

شقيق ميشيل من أبرز القادة الأمنيين في مدينة حلب، ونتيجة ذلك فقد توجهت أصابع الإتهام إلى  عناصر الجيش الحر بأنهم قاموا بالإختطاف بدافع سياسي، ولكن تبيّن فيما بعد أن الخاطفين لا يعرفون الصلة بين ميشيل وأخيه وأنّ غاية الخطف هي الحصول على فدية قدرها سبعة ملايين ليرة سورية (حوالي مئة ألف دولار أميركي). أفرج عن ميشيل دون أن يعرِف مصير زميله، الذي لم يستطع أهله دفع الفدية.

لوسيم (37 عاماً) قصة أخرى. فقد عرف عنه دعمه النظام السوري، ولقب بالـ”شبيح” لدفاعه الدائم عن العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية. لم يكن يكترث لتحذيرات أصدقائه بألا يدعم أيّ من جهات النزاع في سوريا، خوفاً عليه من الإعتقال أو الخطف. في النهاية تعرض للخطف على يد إحدى العصابات المحلية، ولكن أغلب الظن أن الدوافع كانت مادية، خاصةً وأنه إبن عائلة ميسورة الحال في مدينة حلب.

إختطف وسيم في السابع عشر من شهر آب/أغسطس من أمام باب مكتبه في منطقة ساحة سعد الله الجابري حيث يعمل مهندساً ميكانياً وتم التفاوض على تخفيض مبلغ الفدية من 30 مليون ليرة سورية (428000 دولار أميركي) إلى الثلث. يقول أيهم، شقيق المخطوف: “هناك أشخاص مهمتم التفاوض مع العصابات الخاطفة هم من تولوا إيصال المبلغ لهم، والمؤسف هو تضارب الأنباء عن مقتل وسيم حيث لم يفرج عنه حتى اليوم.”

وغالباً ما يكون هؤلاء الوسطاء من أهالي القرى التي ينتمي إليها الخاطفون أو أقربائهم أو مخطوفين سابقين.

لم تقتصر عمليات الخطف على الرجال فقط، بل امتدت أيضاً لتشمل النساء والقاصرين. إختطفت أسماء من أمام منزلها في الرابع من أيلول/سبتمبر في وضح النهار بعد أن خرج أربعة رجال من سيارة وأخذوا يطلقون الرصاص في الهواء لإخافة سكان المنطقة، الذين بدؤوا بالصراخ لحظة رؤيتهم عملية الخطف.

“لم أتعرض للضرب أوالتحرش من قبلهم ولكن التهديدات بالقتل وجلوسي أربعة أيام معصوبة العينين جعلتني أشعر أني اختطفت لمدة عام كامل،” تقول أسماء. تخضع أسماء اليوم لعلاج نفسي مكثف نتيجة هذه المعاملة بعد أن أمضت مدة الخطف مقيّدة إلى سرير.

” يمارس الخاطفون أساليب معينة عند طلبهم الفدية وهي شبيهة بما نراه في الأفلام البوليسية،” يقول والد أسماء. “إتصلوا بنا من أرقام مختلفة، كما غيّروا مكان تسليم النقود عدة مرات، خوفاً من ملاحقة الشرطة لهم، مع العلم أن الشرطة نصحتنا بأن ندفع الفدية دون الرجوع إليها، فلا وقت لديها لمثل هذه الأمور في ظل ما تعيشه البلاد.”

والد أسماء لم يكن أول شخص يراجع الشرطة لحل مشكلته. صالح (35 عاماً)، وهو يعمل مدرب كمال أجسام في أحد الأندية الرياضية، تعرض لمحاولة اختطاف في منطقة السريان الجديدة إستطاع أن ينجو منها بعد أن قدّم سيارته ومبلغ 300 ألف ليرة سورية (حوالي 4300 دولار) كانت بحوزته. يقول صالح: “بعد أن هجم ثلاثة شبان محاولين اختطافي، إستطعت إقناعهم بأن يأخذوا السيارة وهاتفي النقال على أن أدفع لهم المزيد من النقود في اليوم التالي في المكان نفسه… توجهت إلى قسم الشرطة ولكنهم قالوا أن لا وقت لديهم لإضاعته بالبحث عن السيارة أو مراقبة العصابة أثناء تسليم النقود، فهم في حالة استنفار دائم لمراقبة المظاهرات وتحركات الجيش الحر في المدينة.”

مع أن أغلب أعمال الخطف تتم على أيدي عصابات إجرامية بهدف الكسب المادي، إلا أن الجيش الحر وقوات الأمن يواصلان تبادل التهم حول المسؤولية عن هذه العمليات.

“هناك طرفان لهذه المشكلة لا ثالث لهما، الأول هو العصابات المستفيدة من الثورة، والتي رأت في الخطف عملاً يحقق لها الربح السريع وهي لا تنتمي إلى أي جهة،” يقول أبو معاذ، أحد عناصر الجيش الحر. “والطرف الثاني هو عناصر الأمن؛ فهم لا يتوانون عن التضحية ببعض شبيحتهم بهدف الإساءة إلينا والإستفادة من المبالغ المالية التي تدفع لهم.”

في المقابل، إتفق شقيق ميشيل (والذي رفض ذكر اسمه) مع أبي معاذ على فكرة وجود عصابات لا تنتمي إلى أي طرف من أطراف النزاع، ولكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الجيش الحر يستعمل أموال الفدية التي يحصلون عليها من أعمال الخطف في شراء أسلحة يقاتلون بها ضد النظام.