“الهلال الأحمر” في غوطة دمشق: من ينقذ من؟
كرم منصور
ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء المتحدثين حفاظاً على سلامتهم.
تحار أم رفيف في تحديد طبيعة مشاعرها بعد أن وصلت إلى إحدى ضواحي الدمشق الآمنة، خارجة من معضمية الشام بمساعدة “الهلال الأحمر” في شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وتقول: ” أنا محظوظة، في هذه الليلة لن تسقط آلاف الصواريخ على رؤوسنا ونحن خارج المعضمية… لكنني أشد حزناً الآن لأنني تركت بيتي الذي لم أنم خارجه منذ أكثر من خمسة عشر عاما. لولا وساطة “الهلال الأحمر” لإخراجنا لكنا متنا جوعاً أو بالصواريخ”.
ترك النازحون من معضمية الشام بيوتهم المدمرة والمحاصرة خلفهم، هناك في منطقة الغوطة الغربية التابعة لمحافظة ريف دمشق، ليستقبلهم متطوعو “الهلال الأحمر” بالماء والغذاء بعد حصار دام لأكثر من عام.
عملية الإجلاء هذه تصفها إيمان شدود (26 عاماً) المتطوعة في “الهلال الأحمر” منذ ثلاث سنوات: “لقد استغرقت العملية نحو أربع ساعات. توقفت مراراً بسبب إطلاق رصاص لم نعرف مصدره. ولكن في النهاية نجحنا في إخلاء 1500 مواطن، كان أغلبهم من النساء أمّا الذكور فكانوا أطفالاً صغار أو مسنين، حيث أن الشباب وبحسب الأهالي يفضلون الموت تحت القصف على أن تعتقلهم قوات النظام”.
عند بداية الحراك الشعبي قبل نحو ثلاث سنوات كان عمل “الهلال الأحمر” يقتصر على إسعاف الجرحى أثناء المظاهرات السلمية، إضافة إلى تأمين النقاط الطبية المجهزة بالمستلزمات الضرورية للعمل. تطورت الأحداث وحوصرت غوطة دمشق بشكل كامل، وتم منع انتقال الأشخاص والسلع والمواد الغذائية، ومنها حليب الأطفال، إضافة إلى المواد الطبية. انقطاع شبه تام لخدمات الماء والكهرباء إضافة إلى غياب كلي للخدمات الصحية والتعليمية والبلدية، فلا مشافي ولا مدارس ولا خدمات نظافة.
تفاقم الوضع الإنساني بحسب منظمة اليونسيف، لتصبح الغوطة من المناطق المنكوبة، ما دفع بفرع “الهلال الأحمر” في الغوطة الشرقية إلى وضع خطة عمل للإغاثة. ويقول محمد الأبيض أحد المتطوعين من داخل الغوطة: “كنا نحن المحاصرون، على تنسيق مع فرع الهلال في ريف دمشق، الذي استحصل على موافقة أجهزة الأمن السورية النظامية، لإدخال المعونات الغذائية، وكنا بدورنا نمهد الطريق بالتنسيق مع المجالس المحلية التابعة لقوات المعارضة”.
يضيف محمد: “قبل نحو عام منعت الحكومة السورية دخول هذه المساعدات، نحن نعمل باسم “الهلال الأحمر” في الغوطة لكن لا يوجد أي دعم أو تنسيق مع المكتب الرئيسي للمنظمة، وتعتبر الآن جميع شعب “الهلال الأحمر” في الغوطة خارجة عن العمل باستثناء شعبة “الهلال الأحمر” في جرمانا التي تقع تحت سيطرة النظام”.
كثيرة هي العقبات التي تعترض عمل متطوعي “الهلال الأحمر”، الذين قتل 31 مسعفاً منهم حتى تاريخ نشر هذا التقرير. منسق العمليات في ريف دمشق أمين طاهر يعدد أهم العقلات، وهي توقيف فرق العمل عند الحاجز لفترات طويلة رغم الحصول على الموافقات الأمنية الضرورية، ويضيف: “في كثير من الأحيان كانت الحكومة لا تعطينا موافقات أمنية لدخول المناطق، وتقوم بتوجيه الاتهامات المبطنة بأننا نساعد الأشخاص الذين يرفعون السلاح بوجه الدولة السورية، وغالباً ما يُستدعى للتحقيق قائد الفريق بعد الانتهاء من أية مهمة يقوم بها الهلال”.
ويتطرق طاهر إلى مصادرة الحواجز العسكرية لقسم كبير من الأغذية والمعونات تسهيلاً للمرور، واكثر ما يشكو منه طاهر هي تلك المزاجية المفرطة في التعامل.
يحاول متطوعو “الهلال الأحمر” على قدر استطاعتهم الوقوف على الحياد في الصراع الدائر في البلاد. يرفعون اشارة الهلال فوق مراكزهم حتى لا تقصف، كذلك الحال بالنسبة لسياراتهم، ويمنع ادخال السلاح إلى داخل النقط الطبية التي يشرفون عليها. فمبدأ الحياد الذي تتخذه المنظمة شعاراً لها يجعلها تقف في منتصف المسافة بين النظام والمعارضة. ويمثل المنظمة في الحكومة السورية بوزير دولة لشؤون “الهلال الأحمر” ويدعى جوزيف سويد، كما أن رئيس المنظمة عبد الرحمن العطار يعد شخصية مقربة من النظام، وقد أثار تسلمه “جائزة السلام” كممثل للـ “الهلال الأحمر” من “الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر” في تشرين الثاني/ نوفمبر حفيظة بعض جمهور المعارضة. إلا أن قوات المعارضة في كثير من الأحيان تتعاطى بإيجابية مع دور المنظمة.
هذه الإيجابية المستجدة نوعاً ما حيال “الهلال الأحمر” كانت قد سبقتها حملات اتهام واعتقالات، فمع بداية الثورة كان إسعاف المتظاهرين تهمة يعاقب عليها بالاعتقال لدى الفروع الامنية. ومع عسكرة الثورة أصبح إسعاف المسلحين من أقسى التهم التي تواجه متطوعي “الهلال الأحمر”.
وبحسب متطوعي الهلال لم تكن المضايقات من قبل القوات النظامية فقط، بل في كثير من الأحيان تقوم كتائب المعارضة باتهام فرق “الهلال الأحمر” بالانحياز لجهة النظام، حيث يتم احتجازهم والتعامل معهم على أنهم يعملون لصالح مؤسسة حكومية. بالإضافة إلى استهداف سيارات الاسعاف التابعة للمنظمة، التي تنقل الجرحى من الطرفين ودائما تنسب هذه الأفعال إلى مصادر نارية لا يمكن تحديد جهتها.
لهذه الأسباب بالتحديد، انطلقت مؤخراً فعاليات حملة مدنية للتضامن مع متطوعي منظمة “الهلال الأحمر” السوري”، والتي تهدف في جانب منها إلى إثارة قضية معتقلي “الهلال الأحمر” والمحتجزين لدى الأطراف المتنازعة في البلاد، والذين يزيد عددهم عن الخمسة عشر معتقلاً، هناك تكتم شديد عن ظروف إعتقالهم إضافة إلى مايزيد عن ثمانية شهداء قضوا خلال تأدية واجبهم الإنقاذي في ريف دمشق.
وعن هذه الحملة يقول المسعف جمال عودة: “لقد كان القتل والاعتقال يطاردنا من قبل الجميع، لذلك أطلقنا هذه الحملة عرفاناً بجميل متطوعي الهلال، لأننا في سوريا اليوم أحوج ما يكون إلى ناشطين قادرين على تقديم الخدمات الإنسانية، بشكل حيادي لجميع المتضررين دون أي تمييز على خلفيات سياسية أو أيديولوجية”.
في ظل الحرب الدائرة في البلاد يقول متطوعون في منظمة “الهلال الأحمر” أنهم يأملون بأن يكونوا عاملاً مساعداً يشجع السوريين على تجاوز خلافاتهم وايديولوجياتهم، والتوحد حول فكرة الأخوة والإنسانية إلّا أنهم في كثير من الأحيان يصبحون الضحية.