النقاط الطبية في حلب هي نفسها ضحية … الدعم!
لينا الحكيم*
في إحدى النقاط الطبية في حي بستان القصر في حلب، يدخل أبو محمد، وهو رجل في العقد الرابع من عمره ويعاني من توقف القسطرة البولية. يقول أبو محمد إنه توجه أولاً إلى مشفى في حي السكري، حيث أبلغ بعدم وجود أخصائي بالمسالك البولية، فتوجه إلى مشفى آخر في حي الأنصاري، حيث تبلّغ بالأمر نفسه. يطمئن أحد العاملين أبا محمد أن مشكلته يمكن علاجها في هذا المشفى لأن أمرها بسيط. هذا المشفى الميداني البسيط في بستان القصر، يحتوي على أربعة أسرّة.
هذه النقطة واحدة من مشفيين ميدانيين في بستان القصر يواجهان أمراضاً قد تتحول إلى أوبئة، وتشمل إلتهابات الكبد والحصبة والتيفوئيد والأمراض الجلدية، لا سيما داء الليشمانيات، أو “حبة حلب” كما أصبح متعارفاً عليه، والذي ينتقل عبر لسعة البعوض، وبالإضافة إلى هذه الأمراض، تعالج هذه النقطة حالات الإصابات جراء القنص التي قد تصل إلى خمس عشرة حالة يومياً، بحسب ما يقول العاملون فيها. يتم العمل في هذه النقطة، كما في الأخرى، وهي أوفر حظاً لانها تتمتع بطبيب مختص بالأمراض العصبية، بتجهيزات متواضعة، فهناك جهازي صادم كهرباء، وجهاز تصوير صوتي واحد أو “إيكو” . وتهتم النقطتان بحالات الحروق والإصابات البسيطة لتخفيف الضغط قليلاً عن المشافي، التي تتلقى الإصابات الحربية الأكثر خطراً.
بينما يفاخر العاملون في هذا المشفى البسيط بأنهم قادرون على أداء شتى المهام الطبية، فوجئوا في شهر آذار/مارس بتوقف الدعم الذي كانوا يتلقونه من “المجلس الطبي الموحد”، هو تجمع هيئات طبية تابع للمعارضة. يتلقى المشفى الآن الدعم من تجمع آخر، هو “الإتحاد الطبي الحر”، ويتلخص هذا الدعم بمستلزمات وأدوية إسعافية وبعض الأدوية لعلاج الامراض، دون وجود دعم مادي لتأمين بعض الإحتياجات الأساسية كالوقود لتشغيل المولدات نتيجة انقطاع الكهرباء عن الحي، أو رواتب للعاملين، على عكس ما كان الحال عليه سابقاً.
أدّى رفع الدعم لحالة من الإستياء بين صفوف العاملين الثمانية في هذه النقطة، الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية والعشرين والسادسة والعشرين، أحدهم طالب في المعهد الطبي، الذي يدرب تقنيّين طبيّين، بينما الآخرون خضعوا لدورات إسعافية تدريبية.
يقول أحد العاملين في المركز الطبي “الآن وبعد ما يقارب التسعة أشهر على عملنا تقرر رفع الدعم بهذه الذريعة، لم يكن بيننا طبيب حين بدأنا وحين بدأ يأتينا الدعم من المجلس الطبي الموحد فلماذا الآن؟”
وهو يعتبر أن رفع الدعم سيؤثر على المنطقة وسيضغط على المستشفيات وذلك بسبب عودة سكان المنطقة إلى منازلهم بعد إطالة أمد الأزمة، مما يزيد من حالات الإصابات بعد سقوط القذائف، “إضافة أننا الوحيدون الذين نقدم المعالجة للإصابات غير “الأسدية” دون مقابل مادي”، في إشارة إلى الإصابات الناجمة عن أحداث غير حربية.
ولدى سؤال أحد أعضاء “المجلس الطبي الموحد” عن أسباب رفع الدعم قال لـ “دماسكوس بيورو”:
“نحن بشكل عام ندعم النقاط التي تحوي طبيب بشكل أساسي، وكان سبب وجود نقطة بستان القصر كنقطة استشفائية بشكل سريع، ولكن بعد ان قام المجلس بافتتاح مركز للعيادات يضم عدة أطباء، ضعف دور النقطة الطبية ولذلك قرر المجلس إغلاقها”.
ورداً على سؤال عن سبب عدم تأمين طبيب للنقطة عوضاً عن إغلاقها أجاب “العيادات تحتوي أكثر من طبيب” ، مشيراً إلى أن العيادات ستكون أكثر نفعاً في أداء هذا النوع من العمل.
وكان قد تم افتتاح ست عيادات في أحياء الهلك وضهرة عواد والفردوس وبستان القصر والمعادي والميسر، وتختلف الخدمات المقدمة من مركز لآخر، لكنها تتضمن بشكل عام علاج الأمراض الداخلية والعلاج الفيزيائي وتقديم أدوية لعلاج السل والأنسولين، دون وجود قسم للإسعاف، ولهذا يؤكد عاملو النقطة الطبية أن العيادات لاتستطيع أن تغطي غياب النقطة الطبية التي تتولى الخدمات الإسعافية المتوسطة.
ويؤكد عضو “المجلس الطبي الموحد”، الذي رفض الكشف عن اسمه، الحاجة للدعم خاصة بالنسبة إلى المستلزمات الطبية والعناية بالأوبئة، فقد قام المجلس بدراسة ما يلزم لعلاج مرض الليشمانيات فوجدوا أن الأمر يحتاج شهرياً إلى نحو ستين ألف قارورة من “الغلوغانتين” المصنع في فرنسا، والذي تنتجه محلياً شركة إبن حيان تحت اسم “الميغلون” ، وأنهم يجدون صعوبة في تأمينه، فالمنظمات الدولية لم تعطِ اهتماماً إلى الآن للوبائيات، أما السوق الدوائية المحلية فتشهد عموماً غياب العديد من الأدوية حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية في دمشق بسبب توقف بعض المعامل عن العمل، أو انخفاض إنتاجها أو عدم قدرة إرسال منتجاتها عبر المحافظات السورية.
في النقطة الطبية موضع الخلاف، أثناء استقبال أبي محمد وبعد طمأنته إلى إمكانية تقديم العلاج له، قال له أحد العاملين مازحاً “أتدرك أننا لانصنّف عند المجلس الطبي الموحد كنقطة طبية قادرة على العمل بسبب عدم وجود الطبيب”.
*لينا الحكيم هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا