النازحون من ريف اللاذقية يروون معاناتهم
راحيل ابراهيم*
ملاحظة: تم تغيير أسماء بعض المتحدثين حفاظاً على سلامتهم
في مدرسة مزدحمة بالنازحين في اللاذقية تجلس أم رائد (44 عاماً) في إحدى الغرف منعزلة عمن حولها، بينما النساء المتواجدات قبالتها غارقات في حديثهن، وقد بدت عليهن أيضاً مظاهر الحزن والتوتر. في هذه المدرسة، وحدهم الأطفال بدوا قادرين على تناسي الجو الكئيب عبر اللعب والمرح في الباحة.
عند سؤال أم رائد عما حصل معها قبل أن تنزح، بدأت تتحدث وهي تبكي عن خطف إبنتها سيرين (18 عاماً) وابنيها الصغيرين قيس (7 أعوام) ورائد (10 أعوام).
تتحدث أم رائد، وهي أرملة وولدها البكر يخدم في صفوف الجيش الحكومي في حلب، عن ألمها لرؤيتها أولادها الأصغر آخر مرة، دون أن تعرف مصيرهم، وتقول: “رائد وقيس كانا ينظران إليّ نظرة استغاثة وهما يرتجفان من الخوف، دون أن أتمكن من فعل أي شيء. لقد خطفوهم جميعاً”.
مع أن أم رائد اختارت منذ الحادثة أن تكنّى بحسب اسم ابنها الصغير، رائد، إلا أنها تتذكر ابنها البكر أكرم بقلق وتقول: “لا أعلم إن كان سيأتيني حيّاً أو محمولاً في نعش”.
نزحت أم رائد من قرية أوبين في ريف اللاذقية بعد الهجوم الذي نفذه مسلحو المعارضة في المحافظة تحت عنوان “معركة تحرير الساحل” التي بدأت في الرابع من آب/ أغسطس، واستطاعوا خلالها السيطرة على نحو 15 قرية يسكنها العلويون قبل أن تتمكن القوات الحكومية من استعادتها، وقد بدأ سكان هذه القرى بالعودة إليها. وذكرت صفحتا فيس بوك المواليتان للنظام، “شبكة أخبار اللاذقية” و”شبكة أخبار ريف اللاذقية”، بدء دفن جثث الأشخاص الذين قتلوا في هذه القرى.
تكررت رواية الخطف على لسان عدة نازحين تحدثوا إلى موقع “دماسكوس بيورو”، ذكروا أنه تم “سبي” النساء.
أبو مصعب (50 عاماً) من قرية نباتة قال إن قريته تعرضت لهجوم مباغت من المسلحين، كما ادعى أنّ معظم رجال القرية تم قتلهم ذبحاً، مضيفاً: “أما النساء فذهبن سبايا، لكن امرأة واحدة قتلت نفسها حتى لا تذهب سبية”.
يؤكد أبو مصعب أنّه رأى امرأة تقطع شرايينها لكي لا يتم احتجازها، وأن مسلحاً أجهز عليها برصاص رشاشه.
و قد نشر فيديو على موقع يوتيوب، يحمل توقيع “لواء المجاهدين الإعلامي” وتناقلته شبكات التواصل الاجتماعي، يظهر شخصاً ملثماً يشار إليه باسم “أبو صهيب الليبي” من “كتيبة المهاجرين”، وهو مقطع لم يتم التأكد من مصدره.
يتحدث أبو صهيب الليبي عن النساء والاطفال الذين تم احتجازهم كرهينة مقابل الافراج عن اسرى معتقلين لدى النظام، وأن النازحين يعاملون معاملة حسنة وفقاً لمبادئ الشريعة الاسلامية.
كما يظهر الفيديو سيدة محتجزة تتحدث عن وجود نحو 105 من الأطفال والنساء من عدة قرى وأن بقاءهم محتجزين رهينة باطلاق سراح المجاهدين الأسرى لدى النظام، مطالبة الامم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل من أجل إطلاق سراحهم، دون أن تنسى الإشارة الى المعاملة الجيدة التي يقدمها لهم الخاطفون.
حتى زمن إعداد هذا التقرير، لم تصدر أي أرقام موثقة عن عدد الضحايا في المعارك الأخيرة في ريف اللاذقية، وذكرت تقارير صحافية اختطاف ما يقارب مئتي شخص من سكان القرى العلوية. الكاتب نبيل فياض، الذي يصفه المعارضون بأنه مقرّب من النظام، ذكر على صفحته في موقع فيس بوك، نقلاً عن مصادر في مخفر بلدة صلنفة، اكتشاف مقابر جماعية في عدة قرى علوية في محافظة اللاذقية، وأن الجثث وجدت مشوهة ومقطعة الأوصال. بالمقابل كان”المرصد السوري لحقوق الإنسان” قد ذكر أن القوات الحكومية قتلت نحو عشرين شخصاً، نصفهم على الأقل من المدنيّين، يوم 10 آب/ أغسطس عندما شنت غارات جوية على قرية سلمى ذات الأغلبية السنية، والتي تعد معقلاً للمعارضة في ريف محافظة اللاذقية.
منير (28 عاماً)، وهو ناشط في الإغاثة، ويعمل في مدرسة من المدارس الخمس الرئيسية التي استقبلت النازحين في اللاذقية، ذكر أن المواد الأساسية التي يحتاج إليها النازحون يتم تأمينها عن طريق متبرعين وتسلم إلى مستودع المعونات في مدرسة “صقر قريش” حيث توجد لجنة منتدبة من قبل المحافظ. هذه اللجنة، بحسب منير، تعطي للمتبرع تصريحاً بتقديم المعونة لأحد مراكز الإيواء بعد الاطلاع على طبيعة المواد المقدمة، وتقوم بتسجيل اسم المتبرع وحفظه.
تمكنت مراسلة “دماسكوس بيورو” من زيارة مدرسة واحدة فقط بسبب القيود على دخول الصحافيين إلى مراكز النازحين، وكان ظاهراً النقص في الفرش والأثاث الملائم لسكن العائلات، بالإضافة إلى الازدحام الشديد.
وفي الحديث عما عاناه سكان القرى العلوية في الاشتباكات الأخيرة، عبّر منير عن غضبه الشديد تجاه تعامل الحكومة مع الوضع.
يقول منير وقد بدا عليه الانفعال: “ألا يكفي هذه القرى ما لقيت من تهميش النظام لها خلال السنين الماضية؟ هل وصل الاستخفاف بنا وبكرامتنا الانسانية إلى درجة تغاضي الاعلام الرسمي عن ذكر هذه المجازر التي ترتكب بحقنا؟”. ويضيف: “شبابنا في الجيش يقاتلون ونحن نُقتل، ونساؤنا ُتختطف، والاعلام الرسمي لم يكلف نفسه عناء الحديث عن استباحة هذه القرى، أو حتى مجرّد توثيق أسماء الأهالي الذين ارتكبت بحقهم أفظع الجرائم”.
*راحيل إبراهيم هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا.