الموظفون الحكوميون في سوريا: معاناة اقتصادية ومنع من السفر
سلام السعدي
(دمشق، سوريا) – يعتقد رامي (29 عاماً)، الذي يقيم مع عائلته في حي مساكن برزة وسط دمشق، أنه بات عالقاً في دوامة الوظيفة الحكومية. فبعد أربعة أعوام على قرار تعيينه في وزارة المالية في دمشق، يجد نفسه تحت ضغط الأعباء المادية وقيود البيروقراطية الحكومية. يقول رامي: “الراتب الحكومي هزيل جداً، وكأنه مخصص لشاب يريد أن يبقى أعزباً وفي أحضان عائلته طيلة الحياة. لا استطيع أن أكون نفسي في هذا المكان”. ويضيف: “بعد عام على تعييني الوظيفي في العام 2010، أصبت بإحباط كبير بسبب الراتب المتدني والبطالة المقنعة، إذ لا أهمية حقيقية لوجودنا في هذا الموقع، لكن اندلاع الثورة وتدهور الوضع الاقتصادي للبلاد جعلني أعزف عن قراري بالاستقالة والبحث عن مهنة مناسبة في القطاع الخاص”.
يتميز الموظف الحكومي في سوريا، ومنذ عقود، بدخله المتواضع جداً الذي يكاد لا يؤمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة. وهو ما يدفعه، وعلى نطاق واسع، إلى عمل إضافي يسد به رمق عائلته. اشتدت تلك المعاناة بعد اندلاع الاحتجاجات في منتصف آذار العام 2011، إذ تدنت القدرة الشرائية لعموم السوريين إلى مستويات غير مسبوقة بسبب انخفاض سعر صرف الليرة، والارتفاع الحاد في أسعار مختلف السلع والخدمات.
بلغ متوسط الأجر الشهري في القطاع الحكومي في العام 2010 نحو 13 ألف ليرة. ارتفع في العام 2011 مع إقرار زيادة في الرواتب والأجور للقطاع العام بعد اندلاع الاحتجاجات مباشرة، وأصبح يقارب 17 ألف ليرة، وعاد للارتفاع مجدداً منتصف العام 2013، مع الزيادة الأخيرة للرواتب والأجور بمعدل وسطي بلغ 33 في المئة. وبالإجمال تكون الزيادة على الراتب الحكومي منذ نيسان 2011 وحتى اليوم نحو 65 في المئة، فيما ارتفعت الأسعار بمعدلات تراوحت بين 100- و 300 في المئة، بحسب الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار.
وبحسب تقرير رسمي صدر في العام 2011 عن المكتب المركزي للإحصاء حول توزع المشتغلين في سوريا بحسب الحالة التعليمية وقطاع العمل والجنس لعام 2010 أفاد بأن 1.36 مليون عامل في سورية يعملون في القطاع العام من نحو 5.54 مليون موظف يتوزعون بين قطاعات العام والخاص والمشترك.
يقول أبو حسام (40 عاماً)، وهو موظف حكومي ورب أسرة ويقيم في دمشق: “يمكن تلمس تدهور القدرة الشرائية لمداخيلنا من خلال تحويل الراتب الذي نتقاضاه شهرياً إلى أي عملة أجنبية مستقرة. ففي حين كنت أتقاضى مطلع العام 2011 نحو 300 دولار، انحدر الراتب في عامي 2012-2013 إلى ما يتراوح بين 70 و 120 دولار فقط. ومع التحسن التدريجي في سعر صرف الليرة السورية اليوم، يصل راتبي إلى نحو 165 دولار”. ويتساءل بحسرة: “كيف يمكن للمرء أن يعيل أسرته بهذا الدخل البائس؟”. ويجيب على الفور: “لا يمكن!. هذا ما دفعني، ومنذ تزوجت، قبل نحو عشرة أعوام، للعمل بدوام مسائي إضافي كمحاسب في شركة خاصة تبيع زيت الزيتون”.
يضاف إلى تلك المعاناة المعيشية، معاناة أخرى تتصل بالتشديد الأمني من قبل الحكومة على موظفيها. وبمنع جميع الموظفين السوريين من السفر. وتستدعي مغادرتهم للبلاد استصدار موافقة أمنية من عملهم، ويكون الجواب عليها بالرفض في كثير من الأحيان.
عامر (28 عاماً)، موظف حكومي لدى وزارة المالية، وهو ينحدر من مدينة درعا، لكنه يقيم حالياً في حي الطبالة بعد نزوحه وعائلته من حي الحجر الأسود جنوب دمشق، فيما تقيم عائلته مع أهله في مدينة درعا. تقدم عامر في مطلع العام 2013 بطلب خطي إلى عمله، للحصول على موافقة سفر إلى الأردن كمرافق لوالدته من اجل علاجها، يقول عامر: “أخبرني المدير أن الطلب سيذهب إلى فرع الأمن السياسي للدراسة، وبالفعل بعد نحو شهر جاء رجل أمن إلى مكان عملي والتقى بي، وسأل عن مكان إقامتي بداية الثورة وحالياً، وكذلك بالنسبة لأهلي ولأقربائي. المفاجأة كانت بعد أسبوعين عندما زار رجل أمن آخر بيت أهلي في درعا والتقى والدي وطرح عليه الأسئلة ذاتها بالإضافة لبضعة أسئلة أخرى”. يتابع عامر: “بعد نحو ثلاثة أشهر من الانتظار جاء الجواب بالرفض، ولم أتمكن من السفر”.
اضطر أحمد (35 عاماً)، للاستقالة من وظيفته الحكومية منتصف العام 2013 بعد سبع سنوات من العمل. بسبب تدني الأجر وطمعاً بعمل في الخارج. سافر إلى أربيل (إقليم كردستان العراق). يقول احمد: “لم أتقدم بموافقة للسفر، إذ رُفضت طلبات معظم زملائي. تقدمت فوراً باستقالتي، ولدى صدورها بعد نحو أسبوع، ذهبت إلى مديرية الهجرة والجوازات في منطقة المرجة وسط دمشق، وحذفت اسمي كممنوع من السفر”. يشرح احمد كيف تم الطلب من جميع الموظفين في مؤسسته “في نهاية العام 2011، بعد تزايد عدد الانشقاقات عن النظام السوري، التوقيع على أنهم ممنوعين من السفر إلى خارج البلاد بدون إذن من مكان عملهم، وقد وقع جميع الموظفين السوريين على ذلك”. ويضيف أحمد: “كانت الوظيفة الحكومية أشبه بسجن يقيد حركتي، خصوصاً في عامي 2012-2013، مع ارتفاع معدلات البطالة وإغلاق العديد من مؤسسات القطاع الخاص، والمنع من السفر، صار التخلص من الوظيفة الحكومية شديد الصعوبة”.
نجح زهير(45 عاماً)، في الحصول على موافقة سفر. يقيم زهير في منطقة ركن الدين وسط دمشق، ويعمل موظفاً في وزارة الزراعة، يقول: “تقدمت بالموافقة في مكان عملي، ولم يأخذ الرد أكثر من أسبوعين، سافرت بعدها إلى لبنان لمدة أسبوع وعدت مجدداً على رأس عملي”. ويعتبر زهير أن “الموافقة الأمنية مطلوبة لجميع الموظفين، لكن صعوبة الحصول عليها تتفاوت بحسب الوزارات والمواقع الوظيفية والشخص المتقدم”. ويلفت إلى وجود “حساسية أكثر في بعض الوزارات تجاه سفر موظفيها مثل وزارة المالية والاقتصاد والخارجية والإعلام والداخلية”. أما الوزارات التي تمنح موافقة سفر بسهولة فهي بحسب زهير “الوزارات الأقل تأثيراً أو غير السيادية مثل وزارة التعليم والتربية والزراعة والإسكان والسياحة…”.
مع ذلك، فإن الحديث عن “امتيازات” معينة تخص موظفي بعض الوزارات، ليس شائعاً بين الموظفين. بل إن الشائع بصورة كبيرة هو الحديث عن المعاناة المشتركة. معاناة تبدأ بتدني الأجور ولا تنتهي عند التشديد الأمني الذي يحاصر السواد الأعظم منهم.