الممتلكات المصادرة في مدينة جبلة الساحلية من يعيدها؟
لقطة لمدينة جبلة، تصوير حسام جبلاوي
“كنت بعيدا عن الخوض في أمور السياسة. لم أشارك يوما بأي مظاهرة مناوئة للنظام. لم أدر ما سبب تلك المكالمة الطارئة التي تلقيتها من أحد قادة الدفاع الوطني في جبلة، يحذرني فيها من البقاء في المدينة، وينصحني بالهروب من البلد خلال بضع ساعات، لكنني أدركت بعد وصولي إلى تركيا أن أملاكي هي سبب نزوحي”.
أبو محمد أحد سكان مدينة جبلة حيث كان يعمل بالتجارة، تمت مصادرة كامل عمارته السكنية، ومتجره، وأراضيه الزراعية لصالح “الدفاع الوطني” وهي مجموعة مسلحة تابعة للنظام السوري.
يتهم أبو محمد وهو رجل خمسيني المدعو آيات بركات قائد الدفاع الوطني في جبلة بتزوير عقود بيع وهمية لصالحه، بالتواطؤ مع موظفين في المصلحة العقارية في المدينة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه تلقى تهديدات بعد وصوله إلى تركيا حول ضرورة عدم إثارة القضية، وإلا سيكون هو وأولاده بخطر.
وبحسب وسائل إعلام محلية موالية للنظام وأخرى معارضة فإن المدعو آيات بركات فر في العام 2019 من سوريا إلى لبنان بعد سنوات من قيادته للمليشيا، بسبب اتهامه من قبل أجهزة أمنية تابعة للنظام بسرقة ملايين الدولارات والعقارات من أهالي مدينة جبلة عبر عمليات تزوير عقود ووكالات واسعة، ومن خلال التهديد بالاعتقال والابتزاز.
إلا أنه ورغم اكتشاف جرائمه لم تعد هذه الممتلكات إلى أصحابها بل حجزت لصالح “الأمن العسكري” كما يفيد أبو محمد، بسبب أن معظمهم خارج البلد ولا يستطيعون التحرك قانونيا.
مهيار بدرة المقيم في ألمانيا حالياً، يروي قصة تعزز ما سبق وتحدث عنه أبو محمد. ويؤكد “بدرة “أن ممتلكات عائلته سلبت بالكامل من قبل موالين للنظام يقيمون في المنطقة بشكل غير شرعي”.
ويقول بدرة: “خرجت من مدينة جبلة في العام 2012 مع والدي ووالدتي، بسبب ملاحقتنا من قبل قوات الأمن التابعة للنظام، على خلفية مشاركتنا بمظاهرات مناوئة لبشار الأسد، بقي منزلنا فارغاً لأشهر، ثم أقام به أحد أقاربنا، لكن موالين للنظام منتسبين لمليشيات عسكرية داهموا المنزل، وطلبوا من أقاربنا المغادرة فورا بحجة مصادرته”.
ويذكر بدرة “أن العائلة حاولت مرارا التواصل مع محامين في المدينة، لرفع دعوى قضائية لإعادة ممتلكاتهم، إلا أن جميع المحامين الذين تم التواصل معهم اعتذروا خوفاً من الملاحقات الأمنية”.
وفي حالة أخرى مشابهة عرض عثمان تفاصيل ماحدث معه بعد جهود استمرت لأشهر لإرسال وكالة قانونية إلى أحد إخوته في مدينة جبلة بغرض بيع منزله، والاستفادة منه لتأسيس مشروع تجاري في تركيا.
وقال عثمان إنه أنجز ورقة معاملة الوكالة بشكل قانوني من القنصلية السورية في اسطنبول، وأرسلها إلى أحد إخوته في مدينة جبلة للحصول على موافقة قانونية لبيع منزله، إلا أنه فوجئ بأن عناصر “الأمن العسكري” التابع للنظام أخبروا أخاه بأن المنزل محجوز لصالحهم بحجة أنه أحد “الارهابيين” المطلوبين للدولة.
وتعتبر مسألة سلب الممتلكات من قبل أطراف النزاع في سوريا واحدة من مآسي الحرب الممتدة منذ سنوات، وفي محاولة لمساعدة السوريين الذين سلبت حقوقهم من قبل أي طرف أطلق “تجمع المحامين السوريين الأحرار” في تركيا منصة الكترونية لتوثيق حالات السلب والمطالبة بها في ضوء مبادئ المقرر الخاص “باولو سيرجيو بنهيرو”.
التجمع أحصى عشرات حالات سلب للملكيات في سوريا، وطالب جميع من تعرض لهذا الظلم بتوثيقه للمطالبة به مستقبلاً.
وحول الطريقة القانونية التي يمكن للأشخاص الذين سلبت ممتلكاتهم تحصيلها وتحقيق العدالة يقول رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار” الحقوقي غزوان قرنفل: “إن فرص الناس في استعادة ممتلكاتهم او التعويض عنها في حال بقاء النظام شبه مستحيلة”. ويشدد قرنفل على أن رحيل هذا النظام يمثل شرطاً لازماً لتمكين الناس من استعادة حقوقها وإبطال القوانين التي سمحت بمصادرة هذه الحقوق، وإزالة آثارها ومفاعيلها، والتعويض عن الحقوق التي يتعذر استعادتها”.
ويوضح قرنفل: “أن سلب الناس اموالها يتم بطرق متعددة منها المصادرة ومنها الحجوزات التنفيذية، والبيع بالمزاد، ومنها بتشميلها بالقانون 10 وهو أحد القوانين سيئة الصيت التي صدرت خلال سنوات الصراع، وبالتالي تتعدد الأوجه والنتيجة واحدة هي السطو على أموال السوريين وخاصة اللاجئين والنازحين”.
ويسعى قرنفل مع زملائه المحامين لتوثيق أكبر عدد من هذه الانتهاكات للمطالبة بها خلال أي مفاوضات مقبلة أو في حال إقرار قانون العدالة الانتقالية لتصبح جزءًا منه.