الفروج يحلق بعيداً عن متناول أهل دمشق
سلام السعدي
(دمشق، سوريا) – كان قراراً عصيباً، ذلك الذي اتخذه أبو نورس في منتصف العام الحالي 2013. فالرجل الأربعيني والمسؤول عن عائلة مكونة من خمسة أفراد قرر إغلاق مدجنة الدجاج التي يملكها منذ خمس سنوات في مدينة عدرا (ريف دمشق)، والانتقال إلى دمشق مكتفياً بمتجر لبيع الدجاج في ضاحية دمر البلد.
تقع عدرا على بعد 25 كيلومتر شمال شرق دمشق، ويسيطر عليها الجيش الحكومي وتنعم باستقرار أمني نسبي، إلا أن أبو نورس يقول إنه اضطر إلى إغلاق مدجنته لأن نسبة ارتفاع تكاليف الإنتاج تجاوزت 400 في المئة، ويتابع: “أثناء نقل الإنتاج إلى مدينة دمشق تتعرض الشاحنات للقذائف ونيران القناصة والسلب، كما نضطر إلى دفع رشوة مُرهقة على كل حاجز للجيش النظامي لكي يسمح لنا بالعبور، هذا فضلاً عن نفوق أعداد كبيرة من الطيور وتراجع إنتاجيتها بسبب أصوات القذائف والطيران”.
بحسب بيانات “المكتب المركزي للإحصاء”، تتركز نحو 75 في المئة من مداجن الفروج، والتي تجاوز عددها 11 ألف في العام 2011، في المناطق الملتهبة (ريف دمشق، درعا، حمص، ادلب، حماة). فيما تعاني المداجن الأخرى في المناطق الآمنة، مثل مدجنة أبو نورس، من ارتفاع كلفة الانتاج بسبب تدني سعر صرف الليرة مقابل الدولار وتكبد خسائر أثناء النقل بسبب تدهور الأمن.
هكذا خرجت من الاستثمار 80 في المئة من مداجن حمص، و90 في المئة من مداجن إدلب، ونحو 80 في المئة من مداجن طرطوس، ونحو 92 في المئة من مداجن حماه.
أما من ناحية المستهلك، فقد ذكر “اتحاد غرف الزراعة السورية” في تصريحاتٍ صحفية تراجع استهلاك الفروج في سوريا بأكثر من 60 في المئة. يبدو الأمر طبيعياً، مع انحطاط القدرة الشرائية لأغلبية السوريين، وارتفاع أسعار الفروج.
ففي حين سجل سعر الكيلو في شهر أيار/ مايو من العام الحالي نحو 300 ليرة، ارتفع في غضون أربعة أشهر فقط بمعدل 100 في المئة، ليبلغ في شهر أيلول/ سبتمبر 600 ليرة، قبل أن تحدد “مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في دمشق سعر الكيلو 485 ليرة في تشرين الأول/ أكتوبر. وعلى الرغم من تحديد أسعار المواد الاستهلاكية من قبل الحكومة، إلا أنه من الشائع ألا يلتزم بها التجار.
“منذ ثلاثة أشهر، لم نأكل الدجاج سوى مرة واحدة”، يقول سمير، وهو موظف حكومي ورب أسرة، ويضيف مستهجناً أن الفروج أصبح تقريباً بكلفة لحم العجل نفسها. ويضيف: “الفروج الجاهز (المشوي)، الذي كان في متناولنا قبل عام بسعر 600 ليرة، بات أشبه بحلم بعد أن وصل سعره إلى 1300 ليرة”.
لتعويض النقص في إنتاج الدجاج، قررت الحكومة استيراد الفروج من “الدول الصديقة”، بحسب التعريف الرسمي، وبدأت وزارة الاقتصاد منتصف آب/ أغسطس باستيراد الفروج المجمّد من إيران، بعد أن كانت الحكومة تقول إنها حققت اكتفاءً ذاتياً في إنتاج لحم الدجاج النيء، بحسب دراسة أعدتها وزارة الزراعة في آذار/ مارس 2011.
وقررت وزارة الاقتصاد بيع الفروج المجمّد في مراكز “المؤسسة العامة للخزن والتسويق” الحكومية بصورة حصرية، وبسعر “منافس” حددته بـ 400 ليرة للكيلو، أي بانخفاض عن سعر السوق بنحو 40 في المئة. وادعت الوزارة أنها تهدف من وراء ذلك إلى كسر سعر السوق، والحد من جشع واستغلال التجار، وتوفير الفروج بأسعار مناسبة لأصحاب الدخل المحدود.
“القرار جيد في حال جرى تطبيقه”، يقول ربيع الذي يقطن في وسط دمشق، لكنه يضيف “الفساد والجشع المتجذرين في بنية أجهزة الدولة يطفوان دوماً على سطح التصريحات الحكومية”. ويشرح: “رغم قرار الحكومة بحصر البيع في مراكزها طار الفروج المستورد من وحدات التبريد التابعة للمؤسسة الحكومية، واستقرّ في محلات الفروج في دمشق، ليباع بسعر 500 ليرة، أي بزيادة 100 ليرة عن السعر المحدد”. يقول ربيع إن كميات الفروج تنفذ بسرعة كبيرة وإنه لم يوفق في الحصول عليه.
لا يملك الشاب ربيع أي دليل لإثبات يقينه بأن الفروج المدعوم يباع في المحلات الخاصة بصورة غير شرعية، إلا أن ادعاءه يحظى بانتشار لافت في صفوف الدمشقيين، حتى أولئك الذين تمكنوا من الحصول على الفروج المجمد بالسعر المحدد. إذ أدت التجارب المريرة مع الجهاز الحكومي إلى ضعف شديد في مصداقيته، واستسهال اتهامه بالفساد. ولا يخلو الأمر من بعض الوقائع التي ربما تدعم شكوك ربيع، ومنها أن الفروج المجمد في أسواق دمشق، لم يظهر إلا بعد الإعلان عن وصول أولى الدفعات من الفروج الإيراني، وقد ظهر في بعض المحلات الخاصة قبل المخازن الحكومية. يضاف إلى ذلك أن الدولة هي المستورد الحصري للفروج المجمد. ورغم أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أعلنت مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت أنها منحت رخصة لاستيراد فروج برازيلي مجمد لأحد رجال الأعمال السوريين، لكنها أكدت على أن “الكمية مستوردة لمصلحة مؤسسة الخزن والتبريد ومنها إلى المؤسسات الاستهلاكية” أي لوزارة الاقتصاد حصراً.
وأشار مدير عام المؤسسة حسين مخلوف في تصريح صحفي منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي إلى أنه “لن تتم أي عملية بيع بالجملة” في إشارة لعمليات البيع للتجار في الأسواق.
زار مراسل “دماسكوس بيورو” ثلاثة مخازن حكومية في دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر، إلا أن الفروج المجمد لم يكن متوفراً، وقد أخبره الموظفون أن كمية جديدة سوف يتم استيرادها.
وتوضح جولة سريعة في سوق باب السريجة الدمشقي عرض كميات كبيرة من الفروج المجمد بسعر 450-500 ليرة سورية. وتتضارب شهادات الباعة حول مصدر الفروج، ففي حين نفى احدهم أن يكون الفروج المجمد لديه هو ذاته الفروج الإيراني المخصص للبيع في متاجر وزارة الاقتصاد، يكتفي معظم الباعة بالقول إنهم يحصلون على بضاعتهم من تجار الجملة ولا يعرفون مصدره الأصلي.
ترحب علا، وهي ربة أسرة تقيم في منطقة ركن الدين، باستيراد الفروج وبيعه بسعر “معقول”، وتقول: “حصلت على الفروج المجمد مرتين فقط من صالة ركن الدين، ففي معظم المحاولات يقول العاملون إن الكمية نفذت وإن برادات الصالة لا تتسع لكميات كبيرة من الفروج”.
خطوة الاستيراد التي وجدت ترحيباً لدى علا كانت “سيئة للغاية” على قطاع إنتاج الدواجن، بحسب رئيس “اتحاد غرف الزراعة السورية” محمد الكشتو، الذي ذكر في تصريح لموقع “الاقتصادي” أن أكثر من 85 بالمئة من المداجن في سوريا صغيرة، تربي أقل من 10 آلاف طير، تعتمد على تجار يغطون تكاليف الإنتاج ثم يشترون المنتجات لاحقاً، وهي عملية توقفت بفعل الأوضاع الأمنية والاقتصادية السيئة، بحسب الكشتو. وقال الكشتو في تصريحه إن الاستيراد من إيران لا يكفي لسد الحاجة، والاستيراد من البرازيل عن طريق تاجر وسيط يمنح الأخير فرصة احتكار سوق الدواجن، مضيفاً: “طلبنا من الحكومة تقديم قروض بسيطة لهؤلاء المربين ليعودوا للعمل ولم نلق تجاوباً، والمشكلة أن قطاع الدواجن مرتبط ببعضه فأي توقف في مفاصل الإنتاج يؤدي لتوقفه كاملاً”.