الشح والرشوة يرفعان سعر الغاز: غاز حماة “النظامي” يصبح “حرّاً” في كفرنبل!
هزاع عدنان الهزاع
(كفرنبل، سوريا) – تقول شادية الطالبة في كلية الحقوق في جامعة حلب إن والدها، وهو مزارع في العقد الخامس من العمر، قطع خمس شجرات تين من أصل عشرين شجرة كان يتألف منها بستانهم المتواضع، لكي تطهو والدتها الطعام على الحطب بدلاً من الغاز. وتضيف: “إن لم تتحسن الأمور سنقطع غيرها من الأشجار، لا قدرة لنا على تحمل سعر الغاز في السوق”.
تحتاج فاطمة، وهي أم لأربعة أطفال، لإسطوانتين من الغاز شهرياً لمنزلها، تشتريهما من السوق بأكثر من ثلاثة آلاف ليرة سورية للإسطوانة الواحدة. وتقول: “هذا مكلف جداً بالنسبة لنا، زوجي موظف حكومي، راتبه ثمانية عشر ألفاً، نصرفها قبل منتصف الشهر!”. وبحسبة بسيطة يعادل سعر إسطوانتي غاز أكثر من ثلث أجر الموظف الحكومي.
فاطمة وشادية إضافة إلى نحو ثلاثين ألفاً تعداد سكان مدينة كفرنبل الواقعة جنوب إدلب، وهي منطقة تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة منذ أكثر من سنة، يعانون انقطاعاً لمادة الغاز الحكومي منذ أكثر من شهرين.
عدد أصحاب رخص الغاز الحكومي في كفرنبل 17، وبحسب القوانين تصدر رخصة لكل 1500 شخص وتتيح الرخصة الواحدة لصاحبها الحصول على 300 إسطوانة عند كل طلبية ومن دون تحديد سقف لعدد الطلبيات. إلا أن هناك شح واضح في الغاز يرافقه ارتفاع في الأسعار، إذ يصل سعر الاسطوانة إلى 3000 ليرة، رغم أن السعر الرسمي هو 1000 ليرة، علماً أن السعر قبل الثورة كان 275 قبل الثورة.
أحد أعضاء مجلس محافظة إدلب التابع للحكومة، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن الغاز الحكومي مفقود في محافظة إدلب كلها، والسبب هو تعطل معمل الغاز الخاص بإدلب، بعد إصابته ببعض القذائف قبل أكثر من ستة أشهر.
وزير النفط والثروة المعدنية في الحكومة السورية سليمان العباس تحدث اخيراً عن استقرار نسبي في إنتاج الغاز “رغم الحوادث والتعديات التي تعرضت لها شبكة الغاز منذ بداية العام وحتى الآن والبالغة 30 اعتداء”، على حد تعبيره، مؤكداً العمل على حماية منشآت وخطوط نقل الغاز ومعالجة آثار التعديات بالسرعة القصوى. وخلال اجتماع ترأسه العباس لتتبع الخطط الإنتاجية للمؤسسات والشركات التابعة لوزارته جرى عرض لتقرير عن فترة التسعة أشهر الماضية وبين إنتاج 4486 مليار متر مكعب من الغاز النظيف.
وتتحدث تقارير إعلامية عن تراجع إنتاج الغاز في سوريا من 28 مليون متر مكعب إلى 17 مليوناً بعد سيطرة قوات المعارضة المسلحة على محطتي الغاز في دير الزور والجبسة، حيث توقف الإنتاج في كانون أول/ ديسمبر 2012.
وبحسب تقرير أصدره «مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا» في ختام اجتماع في بيروت دعت إليه اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة “الإسكوا” تراجع إنتاج سوريا من النفط بنسبة 95 بالمئة وإنتاجها من الغاز تراجع إلى50 في المئة، وخسر هذا القطاع 633 مليار ليرة سورية، لتتراجع مساهمته في الناتج المحلي من 13 إلى ثلاثة في المئة فقط.
الشح في انتاج الغاز ليس السبب الوحيد في ارتفاع سعره في كفرنبل. الغاز الذي ينقل بين المحافظات لا يتم دون دفع “رشاوى هائلة” لجهات أمنية وإدارية حكومية، كما يقول مجاهد، صاحب رخصة لنقل الغاز الحكومي في ريف إدلب الجنوبي.
ويوضح مجاهد أن حاجة الناس في ريف إدلب الجنوبي إلى الغاز أوجدت واقعاً جديداً، يتمثل في تمكن “تجار الأزمات” من نقل كميات كبيرة من الغاز الحكومي، من شركة محروقات حماة، إلى ريف إدلب شمالاً، على أنه غاز “حر”، وليس غازاً نظامياً. والغاز الحر تسمية متعارف عليها للغاز الحكومي الذي يباع في السوق السوداء، عن طريق تجار غير معتمدين ولا يملكون رخصاً، وبالتالي لا يخضعون لرقابة.
مجاهد توقف منذ أكثر من ثلاثة أشهر عن نقل الغاز، نتيجة تعرضه المستمر للضرب والإهانة من قبل بعض حواجز الجيش النظامي، كان آخرها عند حاجز قريب من حماة لأنه، كما يقول، ينتمي إلى منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.
فهد، الذي يمتلك رخصة لنقل الغاز الحكومي في ريف إدلب الجنوبي، كشف أنه حصل مرتين على تحويلات نظامية من شركة محروقات إدلب إلى شركة محروقات حمص، بعد أن دفع بعض الرشاوى. وأوضح فهد أن تكلفة الإسطوانة الواحدة وصلت في المرتين إلى ألف وخمسمئة ليرة، نتيجة الرشاوى وتكاليف النقل، ثم باعها بألف وستمئة ليرة لزبائنه. وأضاف: “منذ شهرين توقفت عن العمل في الغاز، لأنني سئمت من ضرب وإهانة بعض حواجز الجيش النظامي لي، كوني أنتمي إلى منطقة محررة”.
أحمد (18 عاماً)، يعمل مع والده الذي يملك دكاناً لبيع ما بات يسمى الغاز الحر والمازوت والبنزين، أكد أن مصدر هذا الغاز مدينة حماة، عن طريق تجار يأتون إلى ريف إدلب الجنوبي، بشكل شبه يومي، وهو يشتري منهم أسبوعياً خمسين إسطوانة، بثلاثة آلاف ليرة أو أكثر للإسطوانة، ثم يبيعها لزبائنه بربح لا يتجاوز مئتي ليرة. ما يقوم به أحمد أصبح مهنة يزاولها أكثر من عشرين شخصاً في كفرنبل.
هذا الارتفاع في سعر الغاز انعكس سلباً على أصحاب المؤسسات الصغيرة.
يشكو أحمد معراوي (55 عاماً)، صاحب فرن الحلويات واللحم بالعجين، وحسين المرسال (40 عاماً)، صاحب مطعم للحمص والفول والفلافل، من اضطرارهما إلى زيادة أسعار مأكولاتهما. أما فريد الخضر (50 عاماً)، وهو صاحب مطعم فروج وشاورما وشيش طاووق، فاضطر إلى إغلاق مطعمه بسبب ارتفاع سعر الغاز وندرته.
لم تكن أم محمود (40 عاماً)، بائعة اللبن في كفرنبل، تجيد الطهي على الحطب، ولكنها اليوم أصبحت فنانة فيه، حتى أنها باتت تغلي الحليب على الحطب. أما أم مروان (35 عاماً) التي كانت تطهو “المحاشي” على الحطب، والدموع تسيل من عينيها بسبب الدخان الذي ملأ ساحة الدار، تقول: “أعادتنا الحرب خمسين سنة إلى الوراء…” بعينيها الحزينتين وقد أحرقت النار بعضاً من رموشها وجفونها تعبر عن اعتقادها بأن لا حل قريباً للأزمة، بل تتوقع المزيد من قطع الأشجار من أحراج كفرنبل من أجل التدفئة والطبخ، “حتى يتحول جبل كفرنبل إلى جبل أقرع”.