الأزمة السورية وبوادر التسوية
تأزمت القضية السورية وتعقدت كثيراً بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهراً على بداية الحراك الثوري، مما جعل من الصعب على كل من النظام والمعارضة أن يتفادا إعادة النظر في حساباتهما. قد يفسر ذلك قبول طرفي النزاع دخول المراقبين الدوليين في شهر نيسان/أبريل الماضي، مما يشي ببوادر تسوية ما بعد موافقة الدول الغربية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، على خطة كوفي عنان، التي قال عنها مؤخراً سكرتيره الإعلامي أحمد فوزي في مؤتمر صحافي إنها “تتقدم ببطء شديد ونجاح متقطع.”
تختلف ردة فعل التيارات السياسية المعارضة حول مبدأ التسوية. هناك قسم من المعارضة الداخلية مثل هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة الذي يمثله المعارض السوري لؤي حسين الذي قال في أكثر من مناسبة إنّه مستعد لقبول مثل هذه التسوية. ويحاول تيار بناء الدولة العمل على هذه النقطة بمساعدة بعض السياسيين المستقلين، وقد بدأ بالإعداد لمؤتمر في دمشق من أجل العمل على إيقاف سيل الدماء ونقل سلمي للسلطة.
أما التيار المعارض المتمثل بالمجلس الوطني والحراك الثوري والجيش الحر، فيرفض فكرة المساومة إلا في حال أدت التسوية إلى رحيل النظام في نهاية المطاف.
النظام مستمر في “المراوغة” وما زال يصر على وجود جماعات مسلحة، وقبول المبادرة العربية ودخول المبعوثين العرب وثم الموافقة على مبادرة كوفي عنان ومهمة المراقبين الدوليين لا تعدو كونها محاولة النظام “لكسب المزيد من الوقت”. هذا الرأي عّبر عنه الكاتب السوري الكردي دومام آشتي حول مآلات التسوية، مضيفاً أنّ المعارضة الحقيقية هي الشارع الذي لن يقبل التسوية أبداً لأنه مقتنع بأن ثورته منتصرة وحينما خرج حمل بيده اليمنى لوحة تنادي بإسقاط النظام وفي اليسرى كفنه، حسب وصف الكاتب.
ولكن الشارع الثوري السوري له مواقف متباينة من موضوع التسوية. نصر علي، وهوعضو في حزب كردي في الأربعينات من عمره من مدينة القامشلي يقول: “لقد ضحينا كثيراً وما زلنا نضحي لغاية اليوم بأبنائنا وإخوتنا حتى بات الحزن والألم جزءاً منّا. لن نقبل بأي حل دون رحيل هذا النظام المجرم.” ويتابع نصر علي قائلا أنه يستغرب موقف العالم الذي يتحكم بمصير السوريين وهو يشاهدهم يُذبحون كل يوم، رغم أنه قادر على إيجاد حل للقضية السورية. “لا أفهم بالسياسة كثيراً ولا بمفهوم التسوية إلا أنني أعتبر أنّ أي حل فيه رحيل الأسد ونظامه بأكمله سيريحنا ويدعنا ننعم بحياة ديمقراطية جديدة،” كما ما يقول.
خالد مرعي، أحد الشباب الناشطين في الثورة، يرفض فكرة التسوية بشكل قاطع ويقول: “من يساوم من؟ هل الضحية تساوم الجلاد على قتله؟ أم من الواجب أن الضحية تحاسب الجلاد؟ لقد خرجنا منذ اليوم الأول إلى الشارع وطالبنا بالحرية والسلمية فقتلنا النظام. طالبنا بعدها بإسقاطه فقام بقصف مدننا. واليوم (…) لن نهنأ حتى نحاسبه بكل تركيبته. كما أننا عاهدنا أنفسنا وشهداءنا على أننا لن نقبل بالمساومة ولن نعود من الشارع حتى يسقط النظام وكل من يريد التسوية فليذهب متى يشاء ولكنه لا يمثلنا.” فمرعي مقتنع أن النظام سيحاور فقط من أجل بقائه، بحسب ما يقول.
بعيداً عن العواطف، يرى الناشط الثوري ريناس أحمد، الذي يتوارى حالياً عن أنظار النظام، أن الأزمة السورية معقدة ويستطرد قائلا: “أرى أن المسألة ستطول ولكنني مقتنع أن النظام سيرحل في النهاية بإرادة الشعب وتصميمه ولكن بعد أن يضعف كل من المعارضة والنظام.” ويقترح ريناس أحمد ضمان رحيل النظام بطريقة شرعية عبر استفتاء شعبي: “أعتقد أن أي حل فيه رحيل هذا النظام سيجنبنا ويلات لن نستطيع إطفاءها بعشرات السنين.”
ما بين الخوف من المجهول والرغبة في الخلاص، تبدو رائفة سعيد منفتحة تجاه فكرة التسوية، إذ تقول: “لم تعد قلوبنا تحتمل كل هذا العنف والقتل والتشريد. حياتنا باتت ألم بألم.” وتشير سعيد إلى أن مطلبها الأول يبقى إعدام المجرمين من النظام الذين شاركوا في قتل الشباب السوري. “ولكن بعد أن شاهدت هذا الصمت العالمي إزاء ما يحدث لنا من جرائم،” تضيف سعيد، “لم نعد نريد سوى أن يرحل هذا النظام ويتركنا نبني وطننا ونحافظ على حياة شبابنا. نحن حتى إن قبلنا بحل تسوية سيكون الشرط الأول فيه أن يرحل هذا النظام. مع قناعتي التامة بكذب هذا النظام وأنه لن يساوم ويرحل طالما ليس هناك من يمنعه ويوقف همجيته.”
ومن بين الناشطين ثمة من يقبل التسوية على أساس رؤية مستقبلية لمسار الأحداث، وكونها توفر الخراب على سوريا. فخليل يوسف، أحد ناشطي الحراك السلمي، يؤيد أيضاً حل التسوية ولكن يصفه بالمؤلم بعد أن دفع السوريون هذا الثمن من الشهداء، على حد قوله، ويضيف: “رغم أن الشعب لن يقبل به إلا أنه برأيي، في ظل الأوضاع التي وصلنا إليها تحت دوامة الصمت العربي والعالمي، أرى أن هذا الحل مناسب لعدم وجود بديل موحّد وجاهز (…) بعد رحيل النظام كما أنّ التسوية ستحافظ على البنية التحتية والمؤسساتية لسوريا. وبهذا نوفر عناء إعادة إعمار وبناء بلدنا لأن الحرب بين المعارضة والنظام سيدفع ثمنها الشعب وسنبقى عشرات السنين نعيد بناء ما دُمرّ.” ويؤكد الناشط السياسي بأنه لن يقبل أي تسوية تُبّقي الأسد ونظامه.