إصرار يتحدى الإعاقة والطلاق

رصاصة طائشة من زوج طائش،أنهت ربيع شبابها لتجعلها عاجزةً مدى الحياة.فاطمة القاسم فتاة في مقتبل العمر،لم ترَمن شبابها إلا القسوة والظلم. زوجها مارس عليها أبشع أشكال العنف. من إطلاق النار عليها، إلى تركها تقاسي أعباء الإصابة بمفردها بعد الطلاق.

ما حدث مع فاطمة في ذاك اليوم العصيب، كان بسبب شجار بين زوجها وأهله. وكان في حالة عصبية حين دخل مسرعاً إلى غرفته لأخذ السلاح. اعتقدت فاطمة أنه دخل إلى الغرفة لأخذ معطفه والذهاب مع رفاقه لتنفيس غضبه كعادته. ولكنها فوجئت بخروجه مع سلاحه.

اشتد رعب فاطمة و خوفها من سلاح  زوجها، حاولت الابتعاد والدخول إلى إحدى الغرف لكنها سمعت صوت إطلاق النار قبل دخولها، كانت لتعتقد أنها المستهدفة، ولم تشعر بما حدث لها، إلّا بعد أن رأت دماءها.

دقائق من الصمت سيطرت على المكان. لم تعد فاطمة قادرة على تحريك قدميها، ظنت أنها لم تستطع الحركة بسبب الخوف الذي عاشته. وبعد دقائق شعرت بألم شديد في ظهرها، حاولت سنده بيدها لتتفاجأ بدماء قد غمرت يدها.

حاولت فاطمة الكلام ولكن دون جدوى. وصرخ الجميع على زوجها: “قتلت فاطمة”. صراخهم أصابها بصدمة قوية ومن ثم حالة إغماء. تم نقلها إلى المشفى لتستيقظ بعد فترة وترى أمها وهي تبكى لحالها. ” قالت فاطمة لوالدتها: “أمي، أريد الجلوس”. فانهمرت دموع الأم دون كلام أو رد. وفاطمة لا تدري ما أصابها من عجز.

والد فاطمة جاء في اليوم التالي، وأخبرها بعد كلام من الحمد والتمهيد، بأنها قد فقدت إحدى كليتيها والطحال وفقرة وكسر فقرة أخرى، وقد أُصيبت بشلل بقدميها ، وأن زوجها طلّقها.الإعاقة الجسدية، وطلاق الزوج، وصعوبة الأحوال المادية والنفسية، أمور جعلت فاطمة في حالة من اليأس والانكسار.

سنوات من المعاناة والعلاج العقيم، أمضتها فاطمة برفقة والدها الذي لم يدخر جهداً في علاج ابنته الكبرى. وصل اليأس بوالد فاطمة من حالتها أنه وفي أثناء إجراء الأطباء لها إحدى العمليات، وبعد إخبار الوالد بصعوبة وضعها، اتصل بأخيه وطلب إليه تجهيز قبر لفاطمة بجوار المنزل. لم يتوقع ان تعيش، بعد كل تلك العمليات الصعبة، ولكن الله كان معها وكانتتنجوفيكلمرة.

 عادت فاطمة إلى منزل والدها لتصارع أصعب لحظات في حياتها. اللحظات التي عاد بها الزمن للأيام التي كانت قادرة  فيها على الإعتماد على نفسها والمشي بمفردها. ولكن قدرها حكم أن تمضي باقي عمرها تساندها العكازات.

لم تتوقف أحلام فاطمة بهذه الإصابة، بل قررت متابعة طريقها على مقاعد الدراسة، طامحة بمستقبل أفضل، على الرغم من كل الظروف. وجهدت وثابرت للحصول على الشهادة الثانوية بمساعدة والدها الذي كان يقوم بحملها على كرسيها المتحرك إلى مقعدها الدراسي، والتي حصلت عليها بعون الله.

بعد حصولها على الشهادة قررت التسجيل في معهد التمريض. في مدينة معرة النعمان القريبة من قريتها الدير الشرقي. دافعها الوحيد مساعدة المرضى والمصابين في ظل الظروف الصعبة والحاجة الملحة  للكوادر الطبية. ولكن للأسف الشديد أن فاطمة لم تقبل في المعهد نظرا لحالتها الصحية وإصابتها.

بعد تحطم أحلامها الدراسية على صخرة قسوة البشر، لم تستسلم فاطمة وقررت دخول ميدان التمريض في مشفى الجامعة في ريف إدلب الجنوبي، وكلها أمل بمساعدة المرضى أمثالها، لتتحطم أحلامها مرة أخرى تحت ضربات الطائرات التي استهدفت المشفى الذي تعمل.

أصيبت فاطمة بعدة جروح مرة أخرى، ليس جسدياً فقط بل ونفسياً أيضاً. ولكنها تكرر مقولتها: “وتستمر الحياة”. أكثر ما كان يؤلم فاطمة هو أن ترى شخصاً يقف على قدميه وهي عاجزة عن ذلك، وأكثر الأشياء التي تؤلمها هي أنها لا تستطيع حتى تأدية صلاتها إلّا بمساعدة أحد أفراد عائلتها…

لم تيأس فاطمة، فقامت بتقديم طلب للحصول على منحة للدراسة عن بعد وحصلت عليها. حضرت العديد من دورات الحاسوب، وقدمت لها إحدى الجمعيات الخيرية بعض احتياجاتها، منكرسيمتحركومساعدةمادية. وتتابع فاطمة دراستها للاعتماد على نفسها، ولصناعة مستقبل يليق بصبرها وقوتها.

وتختم فاطمة بالقول: “إن لم نكن قادرين على صنع أشياء عظيمة، لنفعل أشياء صغيرة بطريقة عظيمة، فأمامي طريق طويل وصعب، ولكنني بعون من الله سأتغلب عليه لأكون أمرأة فاعلة في المجتمع، قادرة على التغلب على المشاكل التي تواجهني، ولتكن رسالتي لكل امرأة في هذا العالم أنه بالإرادة نتغلب على الإعاقة”.